سبق إلى إنكار إلحاق شيءٍ غير معلومٍ عن الرسول - ﷺ - بما ثبت وعُلم عنه من كتاب الله الذي هو الأملُ والمفزع، وعليه عند الكافة العمادُ والمعولُ.
وإذا كان ذلك كذلك وَضُحَ بهذه الجملة قيامُ الحجة بنقل جميع القرآن
الثابت في مصحفنا والقراءات، وأن ذلك أجمع ثابث معلوم من دين الرسول
- ﷺ - وإثباته لجميعه وقليلِه وكثيره ولطوالِ سُوَرِه وقصارها، كان على وجهٍ واحدٍ في الإذاعة والإعلان والإشاعة والقصدِ إلى إقامة الحجة وإثباتِ الحفظ له عنه، وحصول العلم به، وهذا ما لا شبهةَ على عاقلٍ فيه.
ومما يدلُّ أيضاً على أنه لا يجوز أن يكون قد ذهب وسقط على الأمة
حفظُ شيءٍ من كتاب الله مما قل أو كثر، وأن الذي بين الدفتين هو جميعُ
كلام الله الذي أقرَّ برسمه وإثباته وحفظه أنه لو كان قد ضاع منه شي بلا وذهب علمه وحفظه على الأمّة لم يخلُ ذلك الضائع الذاهب من أن يكون سورةً كاملةً من سور القرآن أو آياتٍ من سورةٍ معروفةٍ أو كلماتٍ من آياتٍ من السور، ولكان أيضاً لا بد من أن يكون سببُ سقوطِ ذلك وذهابِ علمه ومعرفته عن الأمّة هو أنّ الرسول لم يبلغ ذلك ويصدع به ويؤدّيه، لو أن الأمة لم تُصْغِ إلى ما أدّاه الرسول من هذا الضائع ولم تَعِهِ ولا حفظته عنه ولا أحفلت به وأعظمته، بل كذّبته فيه وردَّته وصغَّرت شأنه وحفرته، ولم تُحِلَّه محلُّ غيره مما تُلي عليها فحفظته وأعظمت شأنه وانصرفت همُمها إلى حفظه والعلم به، فإن كان ذلك لأجل أن الرسول لم يؤده ويبلغه ويقوم بحقِّ الله فيه وفي تلاوته عليهم وأمرهم بحفظه، فهذا طعن على الرسول وقدح في نبوته ودينه وأمانته لا شيءَ على الأمة فيه ولا لومَ ولا عيب، ونحن فلم نوجب على الأمّة حفظَ ما لم يبلُغْها ويؤدَّى إليها، وليس في المسلمين من يستجيزُ
وصفَ النبيّ بهذه الصفة ويَحِلُّون في هذه المنزلة مع اعتقاد تصديقه ونبوّته.


الصفحة التالية
Icon