وإن كان السببُ في سقوط حفظ ذلك وذهابه على الأمّة أنها لم تُصغِ
إليه ولا أحفلت به ولا صدَّقت الرسول فيما أتى به منه فذلك محالٌ، لأنّه
ليس من دينِ أحدٍ من المسلمين اعتقادُ شيءٍ من هذا في القرآن ولا فيما دونه
من السنن والآثار، ولأنّ الأمّةَ مطبقةٌ وغيرُهم من المِلَلِ وكل من عرَفَ سيرةَ
المسلمين في تلقي القرآن من النبيّ - ﷺ - يعلم أنه لم يكن هذا دينَ المسلمين أو رأيَهم أو أحداً منهم في شيءٍ من القرآن الذي يتلوه عليهم ويخبر بأنه منزَّلٌ من عند الله، بل كانوا على سَجِيةٍ واحدةٍ ونمطٍ متساوٍ في حفظ القرآن عن الرسول وتعظيمِ جميعِهِ وانصرافِ هممها إلى تحفظه واعتقادِ تعظيمِه وتصديقِ من جاء به.
ولو ساغت مثلُ هذه الدعوى لمدعيها لساغَ لآخرَ أن يدَّعيَ أنَّ القرآنَ
الذي تلاه رسول الله - ﷺ - على أمّته وأمَرَهُم بحفظه كان أكثر من مائةِ ألفِ ألفِ ألفِ آية، وإنه كان يزيدُ على ألف حمل بعير، غير أن الأمة لم
تحفظ منه إلا هذا القدْرَ، ولم تعِ الباقي عن الرسول ولا اكترثت به ولا
عظّمته ولا أصغَتْ إليه، ولا كانت حالُها في قبوله والحرص على تحفظِهِ
وتعلُّمِهِ كحالها في قبول هذا القدر الحاصل في أيدينا والحرص على
تحصيله والإحاطةِ بعلمه، فذهبَ كلُّ ما تلاه عليهم عنهم، وبقيَ هذا القدرُ
اليسيرُ لشهوتهم بحفظه وخِفّةِ ذلك على قلوبهم، أو لتعظيمِ هذا القرآن أكثرَ
من تعظيمهم كان لما لم يصغوا إليه ولا يعلموا بحفظه، وهذا جهلٌ ممن
صار إليه ودان به، ولو ساغَ مثلُ هذا لقائِله لساغ لآخرَ أن يقول: إنَّ الثابت في شريعة الرسول من الفرائض والسنن والحدود والأحكام أضعافُ ما في