وقتَ ظهور المهدي فقط، وعلى أهل عصره دون سائرِ الأعصار، وهذا
خلافُ الظاهرِ والإجماع، وإن ساغَ ذلك لمدعيه ساغ لآخرَ أن يقول: أنّه ما
جُمع ولا حُفظ إلا على أهل عصر الرسول - ﷺ - في أيام حياته فقط، وأنّه مضيَّع في سائر الأعصار إلى يوم القيامة، ولا فصلَ في ذلك.
وكذلك إن قالوا: فكل إمامِ في وقته لا يخلو من دعاة وأبوابِ يُوعَزُ
إليهم صحيحُ القرآن الموح عنده، قيل لهم: فيجب أن يكون محفوظاَ على
الأبواب دون غيرهم، وإن ساغ ذلك ساغ لآخر أن يقول: إنه محفوظٌ على
أهل عصر واحد فقط، وعلى قريش دون مَن سواهم أو على الأنصار دون
غيرهم، وكلّ هذه الدّعاوى باطلةٌ فارغةٌ.
فإن قالوا: فإن الدعاةَ والأبوابَ يجب أن يُؤخَذَ ذلك عنهم، ويرجع
الناسُ إليهم، قيل لهم: كيف يجبُ ذلك وهم عندكم غيرُ معصومين ولا
كالإمام، بل يجوز عليهم الكذبُ والغلطُ والتغييرُ والتبديل، فكيف يُحفَظُ
على المكلَّفين القرآنُ بقومِ هذه صفتهم، فإن صاروا إلى أنهم معصومون
كالإمام، تركوا قولهم وألزموا عناءَ الأمة بعصمة هؤلاء الأبواب عن الأئمة.
ثم يقال لهم: ويجب أيضاً على قولكم أن لا يكونَ القرآنُ محفوظا على
جميع الأمة إذا ظهر الإمامُ وانبسط السلطان وتمكَّن من إظهار مكنون علمه
ومخزونه، لأنه إنما يظهر في بعض بلاد المسلمين ولا يمكنه لقاءُ أهل
الشرق والغرب، وإنما يمكنه المشافهةُ بالبيان لأهل داره فقط، دونَ أهل
سائر دور الإسلام.
فإن قالوا: لا يجب ما قلتم لأنه يرسلُ رسله وأبوابه إلى أهل الأقاليم
والأطراف، قيل لهم: وما ينفعهم ذلك وهم قد علموا أنّ الرُّسلَ والأبوابَ


الصفحة التالية
Icon