ويقطعوا بذلك تعلقَكم بها، كما صنعوا في إسقاطِ ربع القرآن المنزَّل في
أهل البيت، وحذفِ أسماء الأئمة من غير تصحيفٍ ولا تركٍ لما يُحتمل جُملةً
وتوهمه على ما أُنزل عليه، فكيف لم يحذفوا منه هذه الفضيلةَ العظيمةَ لعليّ
وتركوها على وجه يمكن حمله على تعظيمه وما نزلت عليه؟!
وهل هذه الدعوى إلا بمنزلة دعوى مَن قال إنما قال: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣).
وإنما جعل آل عمران قصداً وعناداً، وكل هذا مما لا شبهةَ على نَقَلتِهم في فساده وإنما يوردونه ليُوهموا به العامة والجُهّال، وأن يكون طريق العلم بصحة نقل القرآن وثبوته هو طريق العلم بظهور النبي - ﷺ - ودعائه إلى نفسه وسائر ما ظهر
واستفاض من أحواله ودينه وأحكامه، وهذا ما لا سبيلَ إلى الخلاص منه.
وهذه جملةٌ مقنعة في صحة نقل القرآن تكشف عن بُطلان قول من ادّعى
فيه الزيادةَ والنقصان، وذهابَ خَلْقٍ من السلف والخلف عن حفظ كثيرٍ منه
وإدخالهم فيه ما ليس منه، وموقفَ مَن نصح لنفسه وهُدِيَ لرُشده، على
سلامة نقل القرآن من كل تحريفٍ وتغييرٍ وتبديل، وقد بيّنا فيما سلف من
عادات الناس في نقل ما قَصُرَ عن حال القرآن في عِظَمِ الشأن ووجوب توفّر
هِمَمِهم ودواعيهم على إشاعته وإذاعته واللَّهَجِ بتحفُّظه، وأخذ الأنفس
بحياطته وحراسته وإعظامه وصيانته بما يوجبُ أن يكونَ القرآنُ من أظهر
الأمور المنقولة وأكثرها إشاعةً وأرشدها إذاعةً وأحقِّها وأولاها بالإعلان
والاستفاضة، وأبعدها عن الخطأ والخمول والإضاعة والدُّثور، وأن تكونَ
هذه حال جميعه وكلِّ سورةٍ وآيةٍ منه.