بالغميم ليلةَ لقيتك صدراً من السورة التي يذكر فيها مريم، فأقبل رسول الله
- ﷺ - على أُبى بن كعب، فقال: "يا أبى أكمِلها له "، ثم قال: "يا
بريدة تعلم سورة الكهف معها، فإنها تكونُ لصاحبها نوراً يوم القيامة".
وكان بريدة يقرئ قومه، واستعمله رسولُ الله - ﷺ - على صدقاتهم.
وقد عرفتَ حالَ الصحابة في حسنِ طاعة النبي صلى الله عليه والانقياد
له وإيثار نصرته والانتهاء إلى أوامره، وأنهم قتلوا الآباء والأبناء في طاعته.
فكيف يجوزُ مع ذلك أن يُهملوا القرآنَ ويحتقروا شأنه وهم يرَون ويسمعون
من تعظيم النبي صلَّى الله عليه وحثهم على تعليمه، وأخذِهم بدرسه وإقرائه
بالشهادتين، وجعله تاليَ ما يدعو إليه من فرض التوحيد.
ولقد ظهر من حرصهم وشدة عنايتهم لحفظ القرآن ودراسته، والقيام به
في آناء الليل وآخر النهار ما ورمت معه أقدامهم، واصفَرَّت ألوانهم.
وعُرفت به سيماهم من أثر السجود والركوع، حتى همَ خلقٌ كثيرٌ منهم
بالتبتُّل والرهبانية والإخلاد والاجتهاد إلى العبادة فقط، وقطع الحرث
والنسل حتى أنكر ذلك رسولُ الله - ﷺ - ونهاهم عنه، حتى ظهر عن
سعد بن مالكٍ أنه قال: "لقد ردَّ رسول الله صلَّى الله عليه على عثمان بن
مظعون التبتل، ولو رخص فيه لاختصَينا".