ولقد كثر حفَّاظ القرآن على عهد رسول الله - ﷺ - وانتشروا وعُرفوا به حتى كانوا يُدعون أهلَ القرآن وقُرّاءَ القرآن والقرأةَ من الصحابة، ويُنادَوْن به في المغازي وعندَ المعترَك وشدة الحاجة إلى الجهاد والإذكار بالآخرة، ويتنادَون بأصحاب سورة البقرة، هذا مع العلم بأن طالبَ القرآن منهم لم يكن يبدأ بتحفُّظ البقرة وأمثال ها وإن كان منهم الشاذُ النادر ممن يفعل ذلك، وإنما كانوا يبدأون بالمفصَّل وما خفَّ وسَهُل حفظُه على النفس، وإنما كان يتعرَّض لحفظ البقرة وأخواتها من الطوال من قد حفظ سائرَ ما أنزل ولم يبق عليه منه إلا القليل، وربما جعل البقرةَ آخرَ شيءٍ يحفظه، هذا هو العادةُ والمعروفُ من أحوال من سبقت هجرتُه وطالت صحبتُه، وحالُ من ابتدأ الدخول في الإسلام ومن بلغ الحُلُمَ واحتاج إلى التعليم والتدريج، فثبت بذلك أن أهلَ سورةِ البقرة إنما كانوا حُفّاظ القرآن، وكان يُكْنى بذكر البقرة عن حفظ سائر القرآن لكونها أصعبَ سورةٍ منه وأطولَها.
وقد روى الناس أنه لما كان يومُ حنين خاضت بغلةُ رسول الله - ﷺ - وكانت بغلةً بيضاء، فكره رسولُ الله - ﷺ - أن ينهزم فاعتنق البغلةَ حتى مال السرج حتى كاد يقع عن بطنها، قال عبد الله: فأتيته فأدخلتُ يدي تحت إبطِه، ثم رفعته حتى عدّلتُ السرج، ثم قلت: "ارتفع رفعكَ الله "، ثم أخذتُ بلجام البغلة فوجهتُها في وجه العدو، ونُودِي في الناس: يا أصحابَ سورة البقرة، يا أصحاب الصُّفَّة، فأقبلوا بالسيوف كأنها الشُهب، وأخذ رسولُ الله - ﷺ - قبضةً من ترابٍ فرمى بها في وجوه القوم، فهزمهم الله جلَّ وعزّ.
وفي رواية العباس مثلُ ذلك، وأنه قال: فرمى بالتراب وقال: