"شاهت الوجوه "، وأن المؤمنين وأهلَ القرآن توافَوا بالسيوف، وأحدقوا
برسول الله - ﷺ - وحفوا به إحداقَ البقر بأولادها، قال: حتى خفتُ على رسول الله - ﷺ -، يعني من الزحام حوله وشدةِ الذيادة عنه.
والأغلب من حال هذه الرواية أن يكونَ أكثرُ من أحدقَ برسول الله صلى
الله عليه هم أهل سورة البقرة، وحفاظ كتاب الله، وأهل الصفّة الذين كانوا متبتَلين لعبادة ربهم، ومنتصبين لقراءة القرآن ولحفظه، وأخذِ أنفسهم به، ولعل سائرَ أهل الصفة كانوا حفاظاً لكتاب الله جلَّ وعزَّ على ما يُوجبه
ويقتضيه ظاهرُ حالهم، لأنهم لم يكن لهم في زمن رسول الله - ﷺ - عملٌ ولا معيشةٌ ولا حرفة غيرُ ملازمة المسجد والصلاة وتعلّم القرآن والتشاغل بصالح الأعمال، لا يتشاغلون بشيءٍ سوى ذلك، وكان الناس قد عرفوهم بذلك فكانوا لأجل ما ذكرناه من أحوالهم يَحنُون عليهم، ويؤثرونهم على أنفسهم، ويراعون أمورهم، ويُشرِكونهم في أقواتهم، ويرون تفضيلَهم على أنفسهم، وإجارتَهم عظيمَ الفضل بما انقطعوا إليه من التشاغل بأمر الآخرة والانتصابِ لحفظ القرآن وتدارسه والصلاةِ به.
والأشبهُ بمَن هو دون هؤلاء في الفضل والدين وحسن البصائر، وثاقب
الأفهام، وصحة القرائح والنحائر، وسرعة الحفظ والاقتدار على الكلام
، وحفظ ما قَصُر وطال: أن لا يُبطئوا ويتخلفوا عن حفظ القرآن الذي هو
أصلُ دينهم، وعمادُ شريعتهم، وأفضلُ أعمالهم، وأعظمه ثواباً عند الله
تعالى، فوضعُ العادةِ يقتضي إحاطةَ جميع أهل الصفّةِ بحفظ جميع ما كان
ينزلُ من كتاب الله تعالى، فكيف يجوز مع ما وصفناه أن يُهملوا أمرَ القرآن.
ويعرِضُوا عن تحفظه، ويحتقروا شأنه، ويتشاغلوا بغيره عنه، وقد سمعوا من


الصفحة التالية
Icon