إلى معرفةِ نفسِ التلاوةِ ونظمِ آياتِ السُّوَرِ، ونحنُ نفصِّلُ كلَّ شيءٍ من ذلكَ
ونكشِفُ عن حقيقةِ القولِ فيه إن شاءَ الله.
وأما بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرَحيم فإنّها عندَنا ليست ثابتةً من فاتحة الكتاب
ولا هيَ فاتحةُ كلِّ سورة، وإن كانت قرآناً في سورةِ النمل، وقد زعمَ قوئم
من أهل العلم أنّها آية من فاتحةِ الكتاب، وقال آخرون: هيَ آيةٌ في فاتحة
كل سورة، ووقَفَ آخرونَ مع اعتقادِ كونها قرآناً في أنها آية فاصلة مفردة أو
من أولٍ كلِّ سورة، ونحنُ نبدأ بإبطالِ قولِ من زعَمَ أنّها كذلكَ مُنزلة، وذِكرِ ما تحملُه، ثم نُبيِّنُ ما نقولُه.
وقد استدلَّ من يزعمُ أنه قرآنٌ منزل على ذلك باتفاقِ الصحابةِ في
عصر الرسول - ﷺ - أو في زمنِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ عليهم السلامُ على القولِ بأن ذلكَ قرآن منزل، وأن جميعَ ما في المصحف مِن أوَّله إلى آخره كلام لله تعالى وَوَحْيُهُ ومنزَل من عنده، وأنهم قد وقَفُوا على ذلك وأخبروا به هذه الجملةَ مما لا شُبهةَ على أحدٍ في قولِ الجماعةِ بها.
واتفاقِهم على نقلِها والإخبارِ بها.
وليسَ لأحدٍ أن يقولَ إن هذا الإجماعَ منهم والنقلَ إنما وقَعَ على ما عدا
بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ المرسومةِ في فواتِحِ السُّوَرِ، لأنّ ذلك مما لم
يُوقفونا عليه ولا عُرِف من قصدِهِم ولا بِعَادةٍ وعُرْفِ مواضعةٍ بينَهم، كما أنه
ليسَ لأحدٍ أن يدَّعيَ ذلكَ فيما عدا تبَّت أو الناس والفَلَق، فلما اتفقوا على
أنَّ جميعَ ما انطوى عليه المصحفُ - الذي هو الإمامُ - كلامُ الله ووَحيُه بغيرِ
اختلافٍ بينَهم: ثبتَ أن ذلك كلامُ الله وقرآنٌ منزل، وهذا مما لا خلافَ
بينهم في اعتقادِ جُملتِه، وليس هذهِ حالَ الأمّة في جميعِ ما انطوت عليه
المصاحفُ التي هي عن الإمام المجمَعِ عليه.


الصفحة التالية
Icon