وإذا كان ذلك كذلك ثبتَ أن بِسمِ اللهِ الرحمن الرحيمِ آيةٌ وقراَنٌ منزلٌ
في كل موضعٍ رُسِمَت فيه، لأنّ إطباقَ الأمةِ على ذلكَ قائم مقامَ توقيف
الرسول - ﷺ - ونصِّهِ على أنّ جميعَ ما في ذلكَ الإمامِ قرآن منزل وتلاوةٌ ونصُّ قرآنٍ بذلك، فكما أنّه لو وقفَ على ذلك وتلا به قراَناً يجبُ حملُه على ما عدا بِسمِ اللهِ الرحمن الرحيمِ مع معرفةِ قصده إلى التوقيف، على أن جميعَ ما فيه قراَنٌ منزل فكذلكَ سبيلُ توقيفِ الأمَّةِ على هذا البابِ.
قالوا: وقد تظاهرت الأخبارُ بذلكَ عن الرسولِ - ﷺ -، ونقلَ أهلُ الآثار ِ أنّ النبى - ﷺ - والمسلمينَ إنما كانوا يعرفون انقضاءَ السورةِ والابتداءَ بغيرها إذا نزلت بِسمِ اللهِ الرحمن الرحيمِ، ولا يجوزُ أن يُقال: نزل في جُملةِ القرآن، ومع ذكره وبَواديه وخَواتِمه ما ليس بقرآن.
قالوا: وقد روى عمرو بن دينار عن سعيدِ بن جبيرٍ عن ابن عباس:
"إنّ جبريلَ عليه السلام كان إذا نزلَ على النبيِّ - ﷺ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عرفَ أنها سورةٌ قد خُتِمَت واستقبل السورةَ الأخرى".
وروى ابنُ جُرَيج عن ابن أبي مُلَيكةَ عن أمّ سلمة "أن النبيَّ - ﷺ - كان يَعُدُّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيةً فاصلة"، وروى ابنُ جُرَيجٍ وسفيانُ بن عُيَينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال: "ما كان رسولُ الله - ﷺ - يعرف انقضاء السورة حتى تنزِلَ عليه
بسم الله الرحمن الرحيم ".