منزَلة وإن لم تكن من الحمد ولا من جُملة غيرِها سوى النمل، ونحن لا
نعتقدُ أنها آية من الحمد ولا نرى افتتاحَها بها ولا يتبين بهذا القدرِ فقط أنها
ليست بآية من كتابِ الله منزلةٍ في فواتح السُّوَر، وعلى هذا خَلْقٌ من أهل
العلم جِلّةٍ أماثل.
وقوله: "صدورُ الرسائل " ليس فيه أنها ليست بآيةٍ منزَلة، لأنها قد تكون
آيةً وإن صُدِّرَت بها الرسائل، وقد تُصدَّرُ بها أيضاً السُّوَرُ وتُفتَتَح وإن صُدِّرَت بها الرسائل، وقد كان المسلمون يصدِّرون (باسمِكَ اللهمّ) حتى أُنزلَت: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠).
فصَدَّر بها رسولُ الله - ﷺ - والمسلمون، وقد يجوز أيضاً أن يكونَ الحسنُ ممن اعتقد أنه تُصدَّرُ بها الكتبُ والرسائل، وأنه يجب أن تُصدر بها السور، ويُستفتَحَ بها في الكتابة، كما كان يفعل رسولُ الله - ﷺ - وكما اتفقَ عليه المسلمون مِن بعدِه وإن لم يجب أن يُفتَتَحَ بها في القراءة.
وكل ذلك إذا أمكنَ لم يكن في قول الحسن هذا نُطقٌ بإنكار كونها آيةً منزلةً.
قالوا: فأما ما رُوِيَ أيضاً عن الحسن من أنه قال: "يُكتَب في أول
الإمام، واجعلوا بين كل سورتين خطّا"، فإنه خبرٌ باطل، لأن فاعلَ ذلك
والآمرَ به مخالِفٌ لسُنةِ الرسول - ﷺ - والمسلمين وما قد اتفقوا عليه، لأنّ الحسَنَ وكل أحدٍ من أهل عصره يعلم علماً لا شُبهةَ عليه فيه أن الأمةَ كانت تكتُبَ ذلك، ولم يكن مِن رأيه مخالفةُ فعلِ الأمة، وكيف يصنع ذلك وهو يحتَجُّ لترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بتركِ الأئمةِ لذلك، والأئمةُ بأسرها قد أثبتوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بين كل سورتين، ولو
صحت هذه الرواية لوجبَ حملُها على وجهين: