ومما يدل أيضاً على أنّها ليست بآيةٍ من الحمد اتفاقُ الكل من الأئمة
والقُرّاء على أنها ليست بآيةٍ من غير الحمد وإن كانت مرسومةً في افتتاحها.
لأنه لا خلافَ بينَهم في ترك عدِّها مع آياتِ كل سورةٍ وإن اختلفوا في عدِّها
آيةً من الحمد، فيجبُ حملُها مع الجهر على وجهِ حملِها مع غيرها من
السُّوَر في أنّها ليست من جُملتها.
غيرَ أنّ القائلَ بأنّها من جُملة الحمد أعذَرُ ممّن قال: هيَ منها ومن كل
سورة، لارتفاع الخلاف في أحد الموضعَين، وعلى أنّه ليس ببعيدٍ أن يجعلَ
الله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيةً من الحمد وبعضاً لها، ولا يجعلَها بعضاً
لغيرها بل آيةً مفردةً منها تُفتَتَحُ السُّوَرُ بها أو كلاماً ليس بقرآنٍ يُندَبُ إلى
افتتاح سُورِ القرآن بها، ولكنّا سنذكرُ بعدُ ما يدلُّ قطعاً على أنّها ليست من
الحمدِ ولا من غيرِها.
قال الزاعمون إنّها آية فاصلة بين السور، وأننا لا ندري أنّها من الحمد أو لا.
إن قال قائل: خبِّرونا عمّن قرأ جميع القرآن وأسقط تلاوةَ بسم الله
الرحمن الرحيم من أوّلها أهوَ عندَكم خاتم للقرآن، كما أنّ قارئها في افتتاح
كل سورةٍ خاتم للقرآن؟
قيل له: أجل، وقد جعل الله تعالى ختمَ القرآن على وجهين:
أحدُهما ختمُ سائر سُوَرِه مع إسقاط بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وختم له مع تلاوةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كلاهما ختمٌ للقرآن.
قالوا: فإن قال: كيف يكون مسقِطُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ خاتماً
لجميع القرآن وقد أسقط عندَكم منه كلاماً كثيراً وحروفاً كثيرة؟
قيل له: لأجل أنّ الله سبحانه ورسوله والمسلمين جعلوا فاعل ذلك
خاتماً للقرآن، يُرادُ بذلك لجميع سُوَر القرآن وإن أفردَ منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ