فهذا أمرٌ منه لبلالٍ ولكل قارئٍ لسورةٍ بأن ينفِذَها ويقرأها على وجهها.
وهذه الروايةُ أظهرُ وأشهرُ من الرواية التي ذكروا فيها أنّ رسولَ الله - ﷺ - قال: "كل ذلك حسن "، فوجبَ العملُ على التفضيل والتفسير الذي وردت به الرواية الزائدة. وقد يجوز أن يكونَ أراد بقوله: "كل ذلك حسن "
لصنع أبي بكرٍ وعمرَ فقط من الجهر والمخافتة، وواجههما بذلك لمّا أقبلَ
عليهما، ولم يسمع الراوي تمامَ كلامه لبلالٍ فادرجَ القصةَ ولم يفصِّل من
غير اعتمادٍ لتحريفٍ على الرسول - ﷺ - وطعن، يتعلَّق قومٌ مِن بعده بهذا في جواز خَلْطِ السور بعضِها ببعض، وبعضِ ترتيبِها، ومخالفةِ تاليها فلا تعلقَ لهم في لفظ خبرهم - لو ثبتَ - مع جواز ما قلناه، وقد رَوَينا من قبلُ أنّ رسولَ الله - ﷺ - قال لبلالٍ عند ذلك: "اقرأ السورةَ على نحوها".
وقد رُوِيَ: "على وجهها"، وروى ذلك سعيدُ بن المسيِّب عن النبى - ﷺ - وإذا كان ذلك كذلك بطلَ تعلّقُهم بهذه القصة.
فإن قالوا، أفليس قد روي أن علياً عليه السلامُ كان يقرأ سورةَ الأنبياء
فأسقطَ آيةً، ثم قرأ بعدَها ثم رجعَ إليها فقرأها ثم عاد إلى الموضع الذي كان
بلغ إليه، وهذا فعلٌ منه يدلُّ على جوازِ تقديمِ بعضِ آياتِ السورة على بعضٍ
ومخالفةِ تأليفها، ولولا أنّ ذلك عنده كذلك لم يستجز بعد أن رجع إلى ما
أسقطه وقرأه أن يتبعه من الموضع الذي بلغ إليه، وإنّما كان أن يتبعه بما يليه
حتى يكونَ جميعُ ما قرأه إلى حيثُ بلغ، ويَصِلَه بما بعدَه.
يقال لهم: ليس في الأمَّة ممن روى هذا الحديثَ ومِن غيرِ روايةِ ابن
عمرَ أنّ عليا عليه السلام اعتمدَ ذلك وقصدَه، بل كان من صحَّح هذه الرواية عن ابن عمرَ أنّه فعل ذلك على طريق العُذر ووجه السهو، وأنّه لم يكن من دينه خلطُ آياتِ السور بعضها ببعض، ونقصها، ومخالفة ترتيبها وإفساد