فلا يُنكِرُ ذلك عليهم، بل يُخَلِّيهم وما عدُّوا إذا لم ينقصوا من السورةِ ولم
يزيدوا فيها شيئاً، ولا غيَّروا من تأليفِ آياتِها أمراً، ولا قدَّموا مؤخراً، ولا
أخَّروا مقدَّماً، وإذا كان ذلك كذلك لم يلزمنا شي مما قلتم، لأنه لا نص
من الرسول على عددِ الآي ومقاديرِها.
فإن قالوا: وما الدليلُ على ذلك؟
قيل لهم: من الأدلّة عليه علمُنا بأنّه لو كان صلى الله عليه قد نصَّ لهم
على عددِ الآياتِ وقدرِ الكلام الذي يكون آيةً، ومواضعِ الفصولِ من السور، وضيَّقَ عليهم معرفةَ ذلك وجَعَلَه من فرائضِ دينهم، وحدَّ لهم فيه حَدّاً
أخذهم به وحدَهُ ومنعَهم من تجاوزه أوجبَ أن يكونَ بيانُه لذلك كبيانِه
لتأليفِ آياتِ كل سورة، وكبيانه للقرآنِ نفسِه، ولوجبَ في مستقِرِّ العادة
ظهورُ ذلك عنه، وتوفُّر الدواعي والهِمَمِ على ضبطِه وذكره وحراسته
وتقييدِه، كما وجبَ عليهم بتأليفِ آياتِ كلِّ سورة، وبالقرآنِ نفسِه.
ولارتفَعَ الخلافُ عليهم في ذلك والنزاع، ولمَّا لم يظهر ذلك ولم نجد
أنفسَنا عالمةً بهذه الجُملةِ من توقيفِ الرسولِ ودينه كما نجدُها عالمةً بتوقيفه
على نزول جميعِ القرآن من عند ربِّه، وعلى تأليفِ آياتِ السور وكلماتِها:
علمنا أنه لا نصَّ كان منه على هذا الباب، ولا قولَ ظهرَ منه في ذلك ولا أمرَ يجب حفظُه وإذاعتُه، ولزم القلوبَ العلمُ به.
ومما يقوِّي ذلك ويَشهدُ له أن ثبتَ أنّه قد وردت بهذه الرواية، فروى
يحيى بن سعيدٍ الأموي عن الأعمش عن


الصفحة التالية
Icon