ومعانيه وغيرِ ذلك من فروضِ الدِّين كلُّ هذا الذي وصفناه جائزٌ من أمر
الصحابةِ وغيرُ بعيدٍ ولا ممتنع.
فإن قالوا على هذا الجواب: فكيف يجوزُ أن يُخَلِّيَهم الله تعالى من نصٍّ
لهم على عدد الآي ومواضع الفصول التي هي عندَه وفي معلومه سبحانه أنّها
مواضع الفصول؟
قيل: يجوز ذلك من حيثُ أمكنَ أن يكونَ تعالى قد عَلِمَ أنّ نصّه لهم
على حا في ذلك تضييق عليهم وشغل لهم عن حفظِ القرآنِ نفسِه، ومؤدٍّ إلى
رغبتهم عن طاعته وإيثاراً إلى معصيته، وأنّه إذا وكَل ذلك إليهم وجعلهم في
فُسحةٍ من عدّه بحسب اجتهادهم وعلى وجهِ إيثارهم كان ذلك رفقاً لهم
وعوناً على ضبط ما يحاولون ضبطَه، ولطفاً لهم في فعلِ الطاعة وتركِ
المعصية، كما عَلِمَ سبحانه أنّه إذا أفقدَهم النصَّ على حكمِ كثيرٍ من
الحوادث ووكلهم فيها إلى العمل بآرائهم وما يؤدِّيهم إليه اجتهادُهم كان
ذلك تخفيفاً لمحنتهم وتوسعةً عليهم ولطفاً لهم في فعلِ الطاعة وتركِ
المعصية، وادعاً الأمورَ لهم إلى حُسنِ الانقياد والخنوع.
وكما أنه يجوزُ أن يعلم أن تركَ نصِّه لهم على عدد حروف السورة
وكلماتِها من أصلحِ الأمور لهم وأن نصَّه على ذلك مما لا ينتفعون به ولا
يصلحون عنده بل يكون مفسَدة وشاغلاً لهم أو لكثيرٍ منهم عن حفظ القرآن
نفسِه وما يجبُ ويلزمُ من معرفة أحكامه وتأويله، وإذا كان ذلك كذلك بان
بما وصفناه سقوطُ التعجُّبِ من تركِ النصِّ لهم على عدد الآي.


الصفحة التالية
Icon