(فصل)
مِن الكلام في هذا الباب
فإن قال قائل: فهل تقولون: الآيةُ التي يختلف الناسُ في عددها لا بدّ
أن يكونَ عندَ الله وفي معلومه تعالى على ما يقوله أحدُ العادِّين لها، أم ليس
الأمرُ كذلك؟
يُقال لهم: قد اختلفَ الناسُ في ذلك، فقال فريقٌ منهم: إنَّ الآية َ عند
أهل العدد وفي مُواضَعَتِهم لها سُقَيت آيةً لأنها علامةٌ للفصل بين الكلامين.
وأنّ الله سبحانه جعلَ ذلك كذلك ليستعينَ الناسُ بما يظنونه فصلا مَوضِعَ آيةٍ
على تقييد السور وحفظِها وضبطِها، فإذا أفقدهم مع ذلك النصَّ منه على
الفصول، ولم يجد لهم في ذلك حداً فقد عرفنا أنه إنما وكَلَ هذه التسميةَ
إلى آرائهم واجتهادِهم وما يظنه كل قارئٍ منهم أنّه موضعُ علامةٍ وفصل وأنّه
يجبُْ على هذا أن يَرجِعَ في حصول هذه التسميةِ إلى ما يضعه القُرّاء ويغلب
على ظنونهم من مواضع الفصول.
لأنّ قولَنا حينَئذٍ إنه لا يُفِيدُ حقيقةً هي علَّتُه وصفةٌ لازمةٌ لها، وقدرٌ من
الأحرفِ والكلماتِ لا يجوز الزيادةُ عليه والنقصانُ منه، بل هو اسمٌ. مقصور على اجتهادِ القُرّاء، فهو في هذا البابِ بمثابةِ تسميةِ الشيءِ حراماً على قول بعض الفقهاء إذا أدّاه اجتهادُه إلى أنّه حرام، وتسميةِ الآخرِ حلالاً إذا أدّاه الرأي أنّه حلال إذا كان هذا هو حكمَ الله تعالى في تسمية الأفعالِ والحوادثِ التي لا نصَّ له فيها ولا حكمَ سوى ما أدّى إليه اجتهادُ العلماء، والحادثةُ مستحِقة للاسمين في الحقيقةِ على القولين وفي المذهبَين، فكذلك الآية ُ