سورة لوجبَ أن يُبينَ ذلك رسولُ الله - ﷺ - بياناً ظاهراً مكشوفاً، موجِباً للعلم، قاطعاً للعُذر، مُزِيلاً للريب، رافعاً لاختلافِ الأمَّة ِ ودخولِ شبهةِ على أحد منهم في هذا الباب كما فعل ذلك في جميعِ آياتِ السّورِ وسائر ما أَنزلَ الله تعالى من كلامه الذي ضمِنَ حفظَه وحِياطتَه وجمعَه وحراستَه.
فلمّا لم يكن ذلك كذلك، ولم نجد أنفسَنا عالمةً بذلك، ولا وجدنا
الأمةَ متفقةً على هذا البابِ اتفاقها على جميع سُوَر القرآنِ وآياتِها المبيّنةِ
فيها، بل وجدنا فيهم مَن يقولُ إنّها آية من الحمدِ وحدَها، وفاتحة لغيرها.
ومنهمُ مَن يُحَمّلُ نفسَه عندَ حدّ النظرِ على أن يقولَ إنّها من كلّ سورة.
ومنهم مَن يقولُ إنّها آية فاصلة بين السورتين وليست من جملةِ كلّ سورة.
وإنّني أعلمُ ذلك قطعا وإنني لا أدري أنّها من جملةِ سُورةِ الحمد أم لا
لموضعِ الخلافِ فيها، ومنهم مَن يقول: لستُ أدري أنَّها من كل سورةٍ أم لا
، وأنه يجوز أن تكون مفردةً فاصلة، ويجوزُ أن تكونَ من جملةِ كلّ سورةٍ هيَ
فاتحتُها: عُلِمَ بذلك أنّ رسولَ الله - ﷺ - لم يُوقف على شيء من هذه المذاهبِ والأقاويل، فلم يبيِّن للأمةِ أنها قرآنٌ منزل.
ولو جازَ لمدّعي أن يدعيَ أنّ الرسولَ - ﷺ - قد بيّن أنها قرآن منزل وإنْ خَفِيَ ذلكَ على أكثرِ الأمّة لجازَ لآخرَ أن يدّعيَ أنّ عندَ الإمامِ وآحادٍ من الصحابة قرآناً كثيراً وإن خَفِيَ ذلك على أكثر الأمة لجازَ أيضاً أن يدّعيَ مدعٍ أن رسولَ الله - ﷺ - قد نصَّ نصّاً بيِّناً قاطعاً مُعلَناً على أنها آية من الحمد وحدَها وفاتحةٌ لغيرها، وإن خالفَ في ذلك كثيرٌ من الأمّة وخفيَ ذلك عليهم، وأن يدعيَ مدّعٍ أنهُ قد نصَّ - ﷺ - نصاً قاطعاً مُعلَناً على أنّها آية منزلة مفردة فاصلة بين السور، وليستُ من جُملة شيءٍ منها، وإن خالفَ أكثرُ الناس في ذلك، وخفيَ عليهم.


الصفحة التالية
Icon