ولارتفعَ لأجلِ بيانِه لذلك الشكّ والرّيبُ عن جميع الأمّة في
كونها آيةً مفردةً فاصلةً إن كانت أو من جملة الحمد وحدَها إن كانت
كذلك، وإن لم يكن هذا هكذا بطلت جميعُ هذه الأقاويل، وثبتَ بما
وصفناه أنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ليست من القرآنِ إلا في السورة التي
يذكر فيها النملُ.
فإن قال قائلٌ: فقولوا لأجل دليلِكم هذا إنَّ المعوّذتين ليست بقرآنٍ منزلٍ
أصلاً، وإنّ الرسولَ لم يبيّن كونَها قرآناً منزلاً بيانَه لسائرِ سورِ القرآنِ وآياته، لأجلِ خلافِ عبدِ الله بن مسعودٍ في ذلك وجَحْده أن يكونا من القرآن!
قيل له: ليسَ الأمرُ عندَنا في جحدِ عبد الله كذلك على ما ادّعيتَ، بل
ذلكَ كذبٌ وزور لا ينبغي لمسلمٍ أن يثبته على عبدِ الله ويُضيفه إليه بأخبارِ
آحاد غير موجِبة للعلم كلها معارَضةٌ بما هو أقوى وأثبتُ عن رجال عبدِ الله
في إثباتِها من القرآن وإقرائهم إياها، وسنستقصي القولَ مما رُوِي عنه في
ذلك وقَدْرَ ما قاله وتأويله، وأنّه ليسَ فيه ما يُوجِبُ إخراجَها من القرآن إن
شاء الله.
فأمّا ما اعتمدَ عليه مَن زعم أنّ الأمَّة َ اتفقت على أنّ جميعَ ما بين
اللوحين قرآنٌ منزلٌ من عند الله تعالى، وأنّ ذلك بمنزلةِ قولِ النبي أو أخذِ
، المصحف ونشرِه ورقةً ورقة وقال: اعلموا أن جميعَ ما فيه قرآنٌ وتلِيَ
عليهم أيضاً بذلك قرآنا فإنه لا تَعَلّق فيه، لأنها دعوى باطلة، لأنّنا لا نعلمُ
مِن دين الأمّة المتفقةِ على كَتَبة المصحف أنّها وقفت على أنّ جميعَ ما فيه
من فواتح السور وغيرِها قرآنٌ منزَلٌ من عند الله، وإن علمتَ أنّهم قد أثبتوا
بسم الله الرحمن الرحيم فاتحةً للسّوَرِ، وكيف نعلم ذلك ونحنُ وجميعُ من
يوافقنا على قولنا يعتقدُ أنّ الصحابةَ لم تتفق قطُّ على القول بذلكَ وإضافته