ولا يرُدُّه، وأن عمل الأمّة بذلك مُستَقْرَأٌ إلى اليوم في تلقي القرآنِ على هذه
السبيل، ودرسه أيضاً كذلك، والصلاةِ به على غير تأليف، وأن ذلك أجمعَ
ينبني عن أنه لا توقيفَ من الرسول في تأليف سوره، فإئه باطل لا حجة في
شيء منه، لأنّ هذا أجمع يدلُّ - لعَمْرِي - على أن تأليف السور غيرُ واجبٍ
في التلاوة والدرس وفي الصلوات وفي الحفظ والتلقين والتعليم، وذلك لا
يدل على أنه ساقط في الكتابةِ وتأليفِ المصحف، لأن رسولَ الله صلى الله
عليه لو قال نصّا: " إذا تحفَّظتُم القرآنَ أو درستُمُوه أو لَقنتموه أو تَلَقيتموه أو صليتم به فلا جُناحَ عليكم في البداية بأي السور شئتم، ولكم الخيارُ في
ذلك، وإذا أنتم درستموه وكتبتموه فعليكم أن تُؤلفوه على هذا الضرب من
التأليف الذي عليه مصحفُ عثمانَ، ويجبُ أن تكتبوا كذا قبلَ كذا، وكذا
بعدها، لم يكن ذلك مستحيلاً ولا ممتنعا ولا مما لا يجوز أن يكونَ لطفاً
ومصلحةً وعائداً بالاحتياطِ للإمام الذي يُكتَبُ فيه القرآنُ لا يقع مختلِطاً
اختلاطاً يمكنُ أن يُوقَع معه الشك فيه، وإن يُدخَلَ فيه ما ليس منه وإن لم
يكن يجبُ الترتيبُ في التلقين والتحفُظ والدرس وفي الصلاة، وإذا كان
ذلك كذلك لم يجب أن يكون ما دل على سقوط الترتيب في أحد الموضعين
يدلُّ على سقوطٍ في الآخر وقد أجاز المسلمون اللفظَ بأحرفٍ في القراءة.
لا يجوز إثباتُها في المصحف على ذلك اللفظ، وإثباتُ أحرف في المصحف
لا يجوز التعلق بها كذلك، وإذا كان ذلك كذلك بطل اعتبارُ أحد الأمرين
بالآخر بطلاناً بيناً.
واستدل أيضاً قوم على سقوط ترتيب تأليف السور بأنه قد عُلمَ أنه ليس
في الدنيا مترسِّل أديبٌ ولا شاعر مُفلق ولا خطيب مصقعٌ يأخذُ الناسَ بترتيب
تأليفِ قصائدِه وخُطَبِه ورسائِله، وإنما يريدُ أن يحفظوا قصيدةً منها على


الصفحة التالية
Icon