ترتيب نظمها وتأليف أبياتها وسياقِ بيانها، ثم لا يُبالي أيهما كُتِبَ في ديوانه
أولاً وآخراً ووسطاً، كذلك المترسلُ والخطيب. قالوا: فكذلك رسولُ الله
صلى الله عليه إنما أرادَ من الأمّة حفظ السُّوَر وتلاوتها على نظامها وترتيبِ
آياتِها فقط، ولم يُرد منهم تأليفَ كل سورةٍ منها قبلَ صاحبتها.
وهذا أيضاً باطل من الاعتلالِ لا حجّةَ فيه، وذلك أنّه لا يجبُ القياسُ في مثل هذا، لأنّه لا يمتنع على قول أحدٍ أن يعلم اللهُ سبحانه أنّ من مصالحِ الأمَّة أو بعضها أو من اللطف للرسولِ فقط: الأمرَ بتأليف السور على وجهٍ مخصوصٍ لا "يتجاوَزُ ولا يَحِل سواه، وكذلك الأمرُ في الحفظ والتلاوة، ولا وردَ بذلك سمع وأن ذلك واجب كان نصه واجباً علينا، وإن لم يجب حملُ وجوبِ ترتيبِ قصائد الشاعر وخُطَب الخطيب.
وإذا كان ذلك كذلك سقطَ ما قالوه.
ويدلُّ على فساد ذلك أيضاً أنه حرام غيرُ جائزٍ قراءةُ السورة منكوسةَ
الآيِ والأحرف مِن آخرها إلى أولها وإن لم يُحرم ذلك في كلامِ الخُطبة
والرسالةِ وإنشادِ القصيدة، وليس ذلك إلا لأن الله سبحانه أوجبَ ذلك في
القرآنِ وحظَرَ تجاوزه، وأسقطه في الخُطَب والرسائلِ والشعرِ ولم يُوجِبْهُ.
وإذا كان ذلك كذلك سقطَ هذا الاعتبار، وفيما قدمناه من الأدلة على ذلك غِنىً عن هذه التلفيقات.
فأما مَن زعم أنّ الرسولَ قد نصَّ على تأليف سُوَرِ القرآنِ ورسمِها في
المصاحف على ما هيَ عليه من الإمام فقد استدلَّ على ذلك بأمورٍ لا حُجةَ
في شيءٍ منها، فمِن ذلك أن قالوا: قد اشتُهِرَ عن بعض الشَلَف وهو عبدُ الله
ابن مسعود وعبد الله بن عمرَ أنهما كَرها أن يُقرأَ القراَنُ منكوساً، فرُويَ أنّ
عبدَ الله بن مسعودٍ سئِلَ عن رجلٍ يقرأ القرآنَ منكوساً فقال: "ذاك منكوسُ
القلب".
وأن عبدَ الله بنَ عمرَ ذُكِرَ له أن رجلاً يقرأ القرآنَ منكوساً فقال: