وهذا نص منه على أنه لا يعلم خاتمتَها، وأنّه قد يختمُ تارة بهذا وتارةً
بهذا، وأن الأمرَ في ذلك عندَه سهلٌ قريبٌ بقوله: "فأنا أقرؤها قريباً مما
أقرأني "، ولأجل أنه ترك أن يستثبتَ ذلك من رسولِ الله - ﷺ - إلى أن مات، فلو كان ترتيبُ آياتِ السور وختمُها بآيةٍ منها مخصوصةٍ لا يجوزُ وضعُ غيرِها مكانَها أمرا مضيَّقاً: لم يُهمِل عبدُ الله سؤالَ رسول الله صلى الله عليه عن ذلك، ولم يَستجِزْ أن يقول: "فأنا أقرؤها قريبا مما أقرأني "، وهذا يدلّ على خلاف ما ادَّعيتم.
يقال له: ليس فيما ذكرته ما يدفعُ قولَنا، بل هو من أدل الأمور على
صحّة ما نذهبُ إليه وفسادِ قولكَ، لأجلِ أنّ عبدَ الله لو لم يجب عندَه مراعاةُ
خاتمة السورة وسياقِها على نظمِ آياتِها وعلى وجه ما لُقَنوه عن رسولِ الله
صلى الله عليه ولولا ذلك لم يكن لذكر إقراءِ رسولِ الله - ﷺ - له معنىً ولذكر خاتمةِ السورة، ولقوله: "فأنا أقرؤها قريباً مما أقرأنيها"، فهذا الخبرُ بأن يدل على صحّةِ قولنا أولى.
فإن قيل: فإذا كان ذلك عندَكم كذلك فلمَ لم يستثبت عبدُ الله ذلك من
رسولِ الله - ﷺ - ويعرفْه حتى لا يخالف نهجَ قراءته ونظمِه، قيل لهم: إنّما لم يفعل ذلك لأجل أنّه كان يعتقدُ أنّ لسورة المرسَلات خاتمتين إذا قُرئت على وجهين، فيَختِمُ بإحدى خاتمتيها إذا قُرئت على وجه وبالآية الأخرى إذا قُرئت على وجهٍ آخر، لأنه قد صرّح بذلك فيما صحَّ عنه من الرواية لهذه القصة، وذلك أنّ الأعمشَ روى عن ابن رزين عن زرِّ بن حُبَيش قال: قال ابنُ مسعودٍ: "نزلتْ على النبيِّ - ﷺ - (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) ونحن في غارٍ، فأقرأنيها، فإني لأقرؤها قريباً مما أقرأني، فما أدري بأي خاتمتها ختم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨)، أو (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠).


الصفحة التالية
Icon