وهذا نص منه على أن لها عندَ الرسول خاتمتَين يختمُ بهما هذه
السورة، وليس يمتنعُ أن يجعلَ اللهُ سبحانه لبعضِ السُّور خاتمتين، إما على
التخييرِ بأن يختمَ القارىءُ بأيهما شاء، ويجعلَ الخاتمةَ الأخرى قبلَ أن يختمَ
بها وأقربَ الآيات ِ إليها لكونها خاتمةً مثلها، أو يجعلَها حيثُ شاءَ من
السورة، أو بأن يجعلَ لها خاتمتين إذا قُرِئت على وجهين مختلفَين في
الترتيب، فإن قُرِئت على وجهِ كذا كانت خاتمُها كذا، وإن قُرِئت على الوجه الآخر ختَمْتَها بالآيةِ الأخرى.
ويكونُ هذا الوجهُ أحدَ الأحرفِ السبعةِ التي أُنزل القرآنُ عليها، أو أحدَ
الوجوه من سبعةِ أحرف أُخَرَ غيرِ السبعةِ الثابتة، وأن يكون اللهُ سبحانه قد
نسخَ إطلاقَ ذلك بعدَ أن أطلقَه وجعلَ للمرسَلات خاتمةً واحدة، وعرفَ ذلك المسلمون وذهبَ على عبدِ الله بن مسعودٍ إذ لم يسمعه، لأن نسخَ ذلك كان قريبا من موتِ النبي - ﷺ - لأن الأمَّة قد أجمعت على أنّه ليس لهذه السورة بعد موت النبي صلى الله عليه إلا خاتمة واحدة، ويكونُ عبدُ الله قد تمسَّكَ بالحكم الأول، فلمّا عرفَه المسلمون ذلكم عرفه وعَلمَ صحّة ما نقلوه، من نسخِ ما كان مباحاً، والدليلُ على ذلك اتفاقُ جميع أصحاب عبد الله وكلّ مَن أخذَ القراءةَ منه وروى عنه على أنه ليس لهذه السورةِ عندَه فيما ثبتَ واستقرَّ به عملُه وقراءتُه إلا خاتمةٌ واحدة، فيجبُ إذا كان ذلك كذلك أن يكونَ نُسِخَ إحدى خاتمتيها.
فإن قيل على هذا: أفَليسَ من دينكم أن السبعة الأحرف والوجوه من
القراءاتِ كلها شافيةٌ كافيةٌ باقيةٌ لم تُنسخ؟
قيل لهم: أجل، وقد ينزلُ القرآنُ على سبعة أوجهِ وأحرفِ أُخَرَ يُنسَخُ
بعضُها ويبقى البعضُ، ويتركُ على ثلاثة أحرف، وقد وردت بذلك الأخبارُ