لا نعرفُ صحّته ولا نقفُ عليه، فلو كان من الأخبار التي يمكنُ أن تكون
صحيحةً لوجب اطِّراحُها، لأنّ مُثبِتها على عبد الله والشاهد بذلك عليه قد
عمل على مطالبتنا بوجوب إكفار عبد الله بن مسعود ولعنه والبراءة منه
والقدح في إيمانه والحكم عليه بحُبُوط عَمَله بخبر واحدٍ لا يُوجبُ العلم ولا
يقطعُ العُذر.
وهو مع ذلك مما لا يمكن أن يكون صحيحاً لأمور، منها: ما قدّمناه
من وجوب ظهور ذلك عن عبد الله لو ثبت وانتفى الشكوكُ عنّا فيه، وغيرُ
ذلك مما قدّمناه، ومنها: أنّه لو كان صحيحاً عليه وقد علمنا أنّه لم يكن من
الصحابة إنكار عليه ولا إغلاظ ولا عسف، ولا قتل ولا عقوبة ونكال ولا
حكم مما يجبُ أن يُحكمَ به على جاحد آية من كتاب الله تعالى وكلمةٍ فضلاً
عن جاحد سورتَين منه لوجب الحكمُ على جميع الأمّة بالضلال والانسلاخ
من الدين، لأنّ ذلك يُوجبُ حينئذٍ أن يكون عبد الله قد ضلّ وأخطأ وفسق
بإنكاره وجَحدِه سورتين من كتاب الله، وأن يكون جميعُ باقي الأمّة الذين
هم غيرُه قد ضلُّوا وفسقُوا بترك تكذيبه والردّ عليه وإقامة حدّ الله فيه وكشف حاله للناس والعدول إلى تركه ومسامحته والتمكين له من الترأس والتصدُّر، وإقراء ونشر الذكر، والتوصُّل إلى الأسباب التي يصيرُ بها إماماً متَّبعاً وحجّةً مقتفى.
فمن ظنّ أننا نحكُم على عبد الله وعلى الأمّة في تركه وتمكينه من ذلك
بهذه الأحكام لأجل خبر واحدٍ ضعيفٍ واهٍ يجيء من كل ناحيةٍ متَّهمةٍ وسبيلُه
وغيره يكون معارضاً بما هو أثبتُ وأظهرُ منه، فقد ظنّ عجزاً وحلَّ من
الجهل محلاً عظيماً، وهذا لو أمكنَ أن يكون هذا الخبرُ صحيحاً، فكيف
وقد بيَّنا بغير طريقٍ أنّه من أخبار الآحاد التي يجبُ كونُها كذبا لا محالة.


الصفحة التالية
Icon