واعلموا رَحِمَكم الله أنّ هذه سبيلُ القول عندنا في كل أمرٍ يُروى من
جهة الآحاد يُوجِبُ تفسيق بعض الصحابة وتضليله أو تفسيق من هو دونه من
المؤمنين وإلحاق البراءة منه واعتقاد الذم له في أنّه لا يجبُ قبولُه ولا العملُ
به، كما أنّه لا يجبُ العملُ بصحّته، وإنّما يُوجَبُ العمل بخبر الواحد الذي
لا يُوجبُ العلم في مواضع مخصوصة من الشريعة لموضع التعبد بذلك، فأمّا
أن نعلمه في تفسيق المؤمنين الأبرار وإيجاب خلع موالاتهم والقضاء على
إحباط أعمالهم، وفي الحكم على الأمَّة قاطبةً بالضلال والفسق وفي ترك
إنكار ذلك الشيء المرويّ الذي يجبُ إنكارُه وأنّه غيرُ جائزٍ، فهذا أيضا
جملةٌ تُوجبُ الحكم بإبطال هذه الرواية وبترك الإحفال بها والعمل عليها.
وكيف يجوزُ لمسلم الشهادةُ على عبد الله بن مسعود بجَحدِ سورتَين من
القرآن وبما يُوجبُ الكفر والارتداد والتبرِّي بخبر الواحد ويعدلُ عما ثبت
عنده من إيمانه وسابقته وكثرة أقاويل الرسول فيه، وكونه مرضيّاَ مقبولاَ عند
الصحابة، نحو قوله صلى الله عليه: "من أحبَّ أن يقرأ القرآن غَضاً كما أُنزل فليقرأ بحرف ابن أمّ عبد"، وقوله: "رَضِيتُ لأمتي ما رَضِيَ لها ابنُ أمّ
عبد، ولو كنتُ مستخلِفا أحداً من أمتي استخلفتُ ابن أم عبد".
وقول عمر فيه مع جلالة قدره: "كشفَ طيّ علمها"، إلى غير هذا مما هو


الصفحة التالية
Icon