الصلاة بهما للسبب الذي خطر له، وهذا غايةُ التأكيد وأبلغُ في النصّ على
أنّهما قرآنٌ، فكيف يجوزُ أن يذهبَ سماعُ هذا أجمع وعلمُه عن عبد الله بن
مسعود وأن يخفى عليه خفاءً يجوزُ معه إنكارُ كون المعوّذتين قرآنا؟!
وقد بيّنّا من قبلُ أنّه لو صحّ عن عبد الله جحدُ المعوّذتين لوجب أن
يكون أصحابهُ أعلم الناس بذلك عنه وأنّه لم يكن من أحدٍ منهم لفظة في هذا
الباب، بل المرويُّ عن جلَّتهم الإقرارُ بأنّهما قرآن، وروى سفيانُ عن الأعمش عن إبراهيم قال: "قلتُ للأسود: أمِنَ القرآن هما، قال: نعم "، يعني المعوّذتين، وروى زائدةُ وابنُ إدريسَ عن حُصينٍ عن الشّعبيّ قال:
"المعوذتان من القرآن "، فهاذان وجهان من وجوه أصحاب عبد الله يُخبران
بأن المعوّذتين من القرآن، وفي بعَض ما ذكرناه أوضحُ برهان على كذب من
ادّعى على عبد الله جَحدَ كون المعوّذتين قرآناً منزَلاً.
فإن قال قائل: جميعُ ما قدّمتموه من مُوجبِ العادة في إيجاب ظهور
إنكار عبد الله للمعوّذتين إذا كان ذلك صحيحا، ووجوب مشاجرة الصحابة
له، ووجوب علم أصحابه به وحرصهم فيه، وإقرار ذَلك من قلبه، أو إنكاره إلى غير ذلك مما وصفتموه يقتضي بأن يكون قد كان من عبد الله بن مسعود أو غيره أمرٌ اقتضى الخوض في أمر المعوّذتين وحصول كلامٍ فيهما، وحال أوجبت إضافة مثل هذا القول إلى عبد الله وأنّه لو لم يكن منه فيهما شيء لم يجب في وضع العادة إضافةُ جحد المعوّذتين إليه دون غيره من الصحابة


الصفحة التالية
Icon