ويمكنُ أيضا أن يكون إنّما لم يكتبهما ولا الحمد لأنه لم يرَ قطُّ رسول
الله - ﷺ - أكتبَهنَّ أحدا ولا أمر بكتابتهن، ولا اتفقَ أنّه بلَغَه ذلك من وجه يُوجِبُ العلمَ عنده، ورآه صلى الله عليه قد كتبَ جميعَ سور القرآن، وأمرَ بأن تكتبَ فكُتب منه ما كتَّبه رسولُ الله - ﷺ - وكُتِبَ بحضرته وأمرَ بأن يُكتب، ولم يكتَب الحمدَ والمعوذتين، لأن رسول الله - ﷺ - لم، يُكتبها، فتكون شدة ُ إيثاره للاتباعِ وترك الإحداث في القرآن لما لم يفعل رسولُ الله - ﷺ - هو الذي حداه على ذلك، وهذا غايةُ التشدد.
وأدلُّ الأمور على الوَرعَ، ويكون باقي الناس، إنما كتبوا هذه السورة لعلمهم بأنّ رسول الله - ﷺ - كتبهن كما كُتب غيرُهن.
فإن قال قائلٌ: هذا الذي قُلتم مما لم يُذكر ولا رُوِيَ عن عبد الله.
يقالُ لهم: يمكن أن يكون لم يُقَل ذلك كله لأنه لم يُسأل عنه، لأن
الناس لما سمعوه - مع ترك كتابته هذه السورة - يقرؤهن ويصلي بهن.
ويديمُ الصلاة بهنّ والدرس لهُن، وإن كان لا يُفرِدُهنّ في الصلاة ولا في
الدرس: زالت عنهم الشُّبهةُ في أن يُعتقَدَ كونُهنّ قرآناً، فلم يُباحثوه عمّا دعاه إلى ترك كتابتهن في مُصحفه، وهذا جائز ليس ببعيد، وإذا احتَمَلَ تركُ كتابة هذه السورة ما وصفناه بطل التعلقُ بهذا الباب.
ويجوزُ أيضاً أن يكون عبد الله إنما لم يكتب الحمدَ والمعوّذتين في
مصحفه على خلاف ترتيب إثباتها في مصحف عثمان، بل كان يرى أن يثبته
على تاريخ نزوله، فلمّا رتّبَ ذلك لنفسه كَرِهَ أن يُقدّمَ على سُورة في
المصحف السُّور التي أُنزِلت قبلها على ما أوجبه التاريخ وترتيبُ مصحفه.
لأجل تسمية رسول الله - ﷺ - وجمع الأمّة الحمدَ فاتحةَ الكتاب وأمّ الكتاب، فامتنع لذلك من أن يفتتحَ المصحف بغيرها لئلا يخالف السُّنّة في