هذه التسمية ويؤخَر كتابةَ ما هو الفاتحة، وكره أيضاً مع ذلك أن يثبتها في
أول المصحف مقدَّمَةً على ما نزل قبلها، فيكونُ بذلك كاتبا لها على غير
تاريخ النزول، ومُفسِدا به ما أصَّل كتابةَ مصحفه عليه، فترَكَ لأجل ذلك أن
يكتبها لا لأجل جحده أن تكون قرآناً منزَلاً، فلمّا فعَلَ ذلك في الحمد الذي
هو فاتحةُ الكتاب فعلَ مثله في الخاتمة، لاعتقاده أنّه قد نزل بعدَ نزول الناس
والفَلَق شيءٌ من القرآن، فكَرِهَ أن يختمَ بذلك النازلَ الذي هو آخرُ ما نزل
لأنّ السُّنّةَ غيرُ ذلك، وكَرِهَ أن يثبتَ الناسَ في خاتمة مصحفه فيكونَ قد قدّم
على الناس والفَلَقِ في الرسم ما هما قبله في النزول، فيُفسدُ أيضاً بذلك
تأليف مصُحفه على التاريخ الذي عمل عليه، وإذا احتمل الأمرُ ما وصفناه لم
يجب حملُ ذلك منه على جحد ما ترك رسمه وكتابته وإن كان عنده كونَه
قرآناً مُنزَلا.
فإن قال القائل: ما قلتموه في الخاتمة من التأويل إنّما يتم لكم في
الناس التي هي الخاتمةُ، فما بالُه لم يثبت الفَلَقَ - وهي سور منفصلة عنها -
على تاريخ نزولها؟
قيل له: يُمكنُ أن يكون إنما فعل ذلك لأنّه لم يَسمَع رسول الله - ﷺ - قطُّ يتلو الناسَ مفرَدةً منفصلةً من الفَلَق، ولا رأى أحداً يكتبُها مفرَدة عنها، فرأى أن السُّنَّة في إثباتها ما فعله رسولُ الله - ﷺ - من الجمعِ بينهما في الرسم، وذلك كان عنده ناقضاً لتأليف مصحفه أو فعله، فلم يفعَلْه، أو لأنّه رأى أنّ السُّنّة في إثبات هاتين السورتين في الوصل بينهما كالسُّنّة في تلاوة الرسول لهما، فلم يجب أن يُفرّق بينهما في الرسم ولا أن يَحْتِمَ بهما جميعاً مصحفه، وقد نزل قبلهما قرآن غيرُهما، وإذا كان ذلك كذلك بطل ما سأل عنه السائلُ.