ليستا من القرآن، فكذلك سبيلُ مَن تأوَّلَ تأويلاً أداه إلى الامتناعِ من تسميةِ
المعوذتين قرآناً في أنه لا يجبُ بهذا القدر أن يُعتقدَ فيه إنكارُ كونهما قرآناً.
وسواءٌ غَلِطَ وتوهمَ في ذلك الاجتهادَ أم أصاب وصحّح.
فأما تعلقُ عبد الله في منع تسميتها قرآناً وغيرِها بروايةِ أُبي عن النبي
- ﷺ - أنّه قال لمَّا سأله: أمِنَ القرآن هما،: "قيلَ لي: قُل، فقلتُ "، فإنه لا تعلُّق في ذلك لعبدِ الله ولا لأبى ولا غيرِهما مِن كلِّ مَن توفهم ذلك، لأنّ قولَ الرسول صلى الله عليه: "إتما قيل لي: قُل، فقلت "، ليس بنفي لتسميتهما قرآناً، بل هو تنبيهٌ منه على أنه قرآن، قيل له: "قل، واقرأ على حسب ما أُوحِيَ إليك وقيل لك، ولو كان قولُ الله تعالى له في السورتين: (قل) وإخبار الرسول بأنّه أقرَّ بذلك دلالةً على أنّهما ليستا من كتابِ الله لوجبَ أن تكون هذه سبيلَ كل موضع قيل له: قل.
وقد قال الله سبحانه لنبيه: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦).
وقال: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣).
و (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ).
في نظائرَ لهذه الآيات
قد قيل له - ﷺ - في جميعها: (قل)، ولم يُصير ذلك شُبهة لأحدٍ في أنها ليست بقرآن، ولا مما يجبُ أن يسمى قرآنا، وكذلك قوله: (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ اَلفَلَق) و (قُل أَعُوذ بِرَبِّ اَلناسِ) لا يدلُّ على ذلك، وقولُ الرسول - ﷺ -: "قيل لي: قل.. " ليسَ فيه تصريحٌ بأنّ ما قيل له فيه: (قل)، ليس بقرآن ولا تنبيهٌ على ذلك أيضاً، فبطل التأويلُ في إخراج المعوذتين عن أن تكون قرآناً بهذه الروايةِ وهذا الجوابِ مِن رسولِ الله - ﷺ -.


الصفحة التالية
Icon