روى عبدُ الله بن محمد بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن
زائدة عن عاصم عن زِرِّ بن حُبَيش قال: قلتُ لأبي: إنَّ ابن مسعود لا
يكتبُ المعوِّذتين في مصحفه، فقال: "إني سألتُ عنهما النبيَّ - ﷺ - فقال: "قيل لي: قل، فقلت "، فقال أُبيّ: نحن نقولُ كما قيلَ لنا"، وقد عُلِمَ أنّ أُبيّا مع ذلك ومع قوله: "فنحن نقولُ كما قيلَ لنا" قد كتب المعوِّذتين ولم يعتقد خُروجَهما عن كلام الله جلَّ وعزَّ ولا منعَ تسميتَها قراَناً، وهو الأصل في هذه الرواية، فوجبَ أنّه لا تعلُّق لأحدٍ فيها مع نفيِ كون المعوِّذتين قرآناً، ولا في من تسميتها بذلك.
فأمّا ما رُوِيَ مِن حَكِّ عبدِ الله للمعوِّذتين مِن المصحف فإنّه بعيد.
ويجبُ أن يكون ذلك إنّما رُوِيَ عنه عن طريقِ الظنِّ به والتوهم عليه، لأنه لو كان مِن عبد الله حَكُّ المعوذتين من المصحفِ ظاهرا مشهورا معلوماً لم يَخْلُ ذلك الحكُّ الذي كان منه وظهرَ من أن يكون حَكّا لهما من مصحفه
ومصاحف أصحابه التي انتُسِخَت منه أو من مصحف عثمان وفروعه التي
انتُسِخَت منه، فإن كان ذلك إنّما كان حكّاً من مصحفه، فذلك باطل، لأنّه
لم يُلفِهما ثابتتَين من مصحفه ولا كتبَهما، فكيف يمحوهما منه! وكذلك
سبيلُ فروعِ مصحفه.