وإن كان إنّما حكَّهما من مصحفِ عثمانَ أو بعض فروعِه فذلك أمر
عظيم وخَطْب جَسِيم وعمل لنفسِه على خَطِّه من الخلاف الشديد وشقِّ
العصا، وقد عُلِمَ أنّ ذلك لم يكن مما يمهيّأ لعبدِ الله بن مسعودٍ، ولأنه لو
كان منه لَعظُمَ الخَطْبُ بينه وبينَ عثمانَ والجماعة ويجري في ذلك ما تَشِيبُ
منه النواصي، وما يجبُ أن يَهجُمَ علمُه على نفوسِنا فيُلزِمَ قلوبَنا، وفي عدمِ
العلمِ بذلك دليل على أن ذلك لم يكن من عبد الله.
وإن كانَ إنما فعل ذلك سراً وفي خفيةً عن الناس في بعضِ المصاحف
فقد دلَّ هذا الخوفُ منه أنّ أمرَ المعوِّذتين في المسلمين مشهور ظاهر، وأنّه
لا يمكن لمسلمٍ أن يُكاشِفَ بإنكارهما أو حكِّهما من المصحف، وعبدُ الله
أولى الناسِ بعلمِ ما عرفَه المسلمون وإنكار ما أنكروه، على أنه إن كان قد
فعلَ ذلك فمَن ذا الذي رآه منه وخَبَّر به عنه وهو قد استسرَّ بذلك؟!
وإن كان قد استسرَّ بينَ جماعة يُعلَم أنّه لا يَكتُمُ عليه ما يُظهِرُهم عليه من أفعاله وأقواله فليس ذلك بسِرٍّ منه، بل يجبُ أن يكونَ ظاهراَ عنه، وإن كان قد استسَرَّ به بحضرةِ الواحدِ والاثنين ما يجبُ أن تضيفَ إلى عبد الله ذلك
ويُقطع عليه ومِن دينه بخبر واحد ومَن جرى مجراه ممّن لا يُوجبُ خبرُه
علماً ولا يقطعُ عذراً، فيجبُ إذا كان ذلك كذلك إبطالُ هذه الروايةِ عنه.
وقد رُوِيَ عن عبدِ الله أنّه كان يحكُّها بلفظِ الواحد دونَ التثنية، وهذه
الروايةُ خلافُ روايةِ مَن روى: كان يحكُّهما، فلعل بعضَ المنحرفين زاد فيه
ميماً، أو لعلَّ بعضَ الرواة توهَّم ذلك، أو لعلَّ بعضَ الكَتَبة غَلِط فزاد ما يدلُّ على الكناية عن الاثنتين وهذا ليسَ ببعيد.
وقد روى عبدُ الرحمن بن زَيدٍ


الصفحة التالية
Icon