تقدَّم سماعُها له، ولم يمر من الزمانِ وتطاوِلِ الوقت ما يقتضي ظهورَهُ
وحصولَ الغنى عن السؤال عنه، وهذا يُبطِلُ جميعَ ما عوَّلوا عليه وموَّهُوا به
في نقل القرآنِ وعدمِ قيام الحجَّة.
فإن قال منهم قائل: إن في خبرِكم هذا إحالةً وتناقضا ظاهراً من وجهٍ
آخر، وهو أنه قد ثبتَ وعُلِمَ أن القرآنَ لم ينزل على الرسول صلَّى الله عليه
جملةً واحداً وإنما نزلَ في نيفٍ وعشرين سنة، وأنّه لم يتكامل نزولُه إلا عندَ
تقاربِ وفاةِ الرسول - ﷺ - وآخرِ عهده بالدنيا، وهذا الخبرُ الذي رويتموه لا شكَّ أنه قد قاله قبلَ موته بدهرٍ طويلٍ وقبلَ نزولِ كثيرٍ من القرآن، فهذا تناقضٌ بيِّن؟
يقال له: لا يجبُ ما قلتَه، لأنّ مِن الناس مَن يقول: إن هذا الظاهرَ لا
يقتضي أكثرَ من أن يكونَ في القرآنِ كلمة واحدة أو اثنتين تُقْرأُ على سبعةِ
أوجه، فإذا حصلَ ذلك فيه وُفِّيَ الخبرُ حقّه وموجبَه، ومنهم من يقول: ذلك
إنما يُستعمَلُ إذا قُرئ جملةُ القرآن أو كثير منه على سبعة أحرفٍ وأوجه.
وهذا هو الذي نختارُه، وسندل على ذلك فيما بعدُ إن شاء الله.
وإذا كان ذلك كذلك ولم ينُكَر أن يكونَ النبي - ﷺ - قد قال هذا القولَ بعد أن نزلَ شطرُ القرآنِ أو ثلثاه أو ستةُ أسباعه: ساغَ أن يُقال إذ ذاك إنه منزَل على سبعة أحرف، ويعني بذلك - ﷺ - هذا الذي نزل، ويكونَ جبريلُ عليه السلامُ قد أخبرَه أن قدْرَ ما نزل عليكَ هو معظَمُ القرآن وكثيرُه، وأنّ ما ينزلُ عليكَ فيما بعدُ قليل بالإضافة إليه، فَيَحسُنُ لذلك، وجاز أن يُقال: أُنزل القرآنُ على سبعة أحرفٍ لأنّ معظَمَه قد أُنزل كذلك، فبطلَ بذلك ما قلتُمُوه.