ولو حُمِلَ الأمرُ في هذا على أن قولَه: أُنزل القراَنُ على سبعةِ أحرف لا
بُدَّ أن يتناول كل سورة لوجبَ أن يُحمَلَ على أنه قد أُريدَ به أنّ كل آية منه
تُقرأُ على سبعةِ أوجه، وعلى أنّ كلَّ كلمة من الآية ِ يجبُ أن تُقرأَ على سبعةِ
أوجه، بل يجبُ أن يُحمَلَ على أنّ كل حرف من حروف الكلمة منه تُقرأ على سبعة أوجه، ولمّا لم يجب ذلك كما لا يجبُ إذا قلنا هذه القصيدةُ تنشدُ
على وجهين، وهذه الخطبةُ والرسالةُ تروى على وجهين، ومصنفُ فلان في
الفقه يُروى على وجهين، أن يكونَ كل بيت من القصيدة، وكلّ مصراعٍ وكل كلمةٍ وكل حرف من الكلمة تُنشَدُ على وجهين، وكل مسألة من الكتاب وكل كلمة منه تُروى على وجهين، لم يجبْ إذا قيل إن القرآنَ أُنزلَ على سبعةِ أحرف أن تكونَ كلُّ سورة منه وكلُّ آيةٍ وكل كلمةٍ وكل حرفٍ من الكلمة منزَلا على سبعة أحرف، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما ظنُّوه من إحالةِ هذا القول.
على أنّه قد يجوزُ أيضاً أن يكونَ جبريلُ لما أقرأ الرسول عليهما السلام
في ابتداء أمره شيئا من سور القرآن أنزل مواضعَ منها على سبعةِ أوجهٍ ووقفَهُ
على أنَّها جارية في جميع ما يُنزّل عليه على هذه السبيل والطريقة، كأنه قال
له: اقرأ غير المغضوب عليهم وعليهمو، فكل ما جاء من كتابة الجمعِ فهذه
طريقتُه نحو إليهم وإليهمو، وأنعمتَ عليهمو، أو قرأ هذا الحرف بالهمزة.
وترك الهمزة، وكلّ حرف مثله مما نزل عليك، ومما سينزل مثله، وكذلك
القولُ في الإمالة وترك الإمالة في الحرف والكلمة التي يجوزُ فيها الرفعُ
والنصب، وغير ذلك، فيعلم رسول الله - ﷺ - بذلك أنّ جميعَ ما نزلَ وينزلُ عليه من القرآن، فهذه سبيلُ اختلاف حروفه ووجوهه، وإذا كان ذلك كذلك بأن سقوطُ ما تعلّقوا به من أنّه لا يجوز أن يقول مثل هذا القول حتّى يتكامل نزولُ جميعِ القرآن.


الصفحة التالية
Icon