فأمّا قولهم: إنَّ في الخبر ما يدل على فساده، وأنّ متضمنه لا يجوزُ
على الله سبحانه، وهو أنّ القرآنَ منزل على سبعة أحرف مختلفة، وقد عُلم
أنه جهتُه، ولا معنى في إنزالِه على سبعة أحرفٍ إلا القصدُ إلى حصول
الخلاف والتنازعِ والتنافرِ فيه، والتحريف له، ووجودِ السبيل إلى أن يدخُل
فيه حرف ليس منه وإلى تعذُر حفظِ هذه السبعة والإحاطة بها، وتثقيلِ العبادة
بتكليف معرفتها، حتى يؤدي ذلك إلى ما روَيتم من تلبب عُمر بن الخطاب
بهشام بن حكيم، وأخذه إلى النبي صلى الله عليه منكراً عليه حرفا أقرأه به
رسولُ الله - ﷺ - لم يقرأه عُمَرُ ولم يعرفه.
مثل ما رويتم أنه قال أبي بن كعب لما أنكر على رجلٍ آخر سمعَه يقرأ
بخلاف ما كان لُقِّنه هو من رسولِ الله - ﷺ - فلما قرأ عليه وقال لهما: "فيما رَويتُماه أحسنتُما وأصبتُما، هكذا أقرأتكُما"، فقال أبي: فأخذني عند ذلك من الشك أشدَّ مما أخذني في الجاهلية، فضربَ النبي
صلى الله عليه صدري وأخسأ عني الشيطان، فقال: يا أبي، أعندك من الشكِّ والتكذيب، قال: ففضتُ عرقاً، وكأني أنظرُ إلى الله فرقاً، ثم قال لي: إنّ جبريلَ أتاني فقال لي: اقرأ القرآن على حرفٍ فقلت: ربِّ خفِّف عن أمتي، فلم يزلْ يقول كذلك حتى قال له - فيما رويتم: إن الله تعالى يأمُركَ أن تقرأ القراَنَ على سبعة أحرف، فلا معنى لإنزاله على سبعة إلا ما رويتموه، ويؤدي إليه من هذه الشكوك والرّيب والتخاصُم والخلاف، وذلك مما لا
يجوزُ على الله سبحانه، فوجبَ بذلك بطلانُ ما رويتموه.
فيقال لهم في جواب هذا وجواب جميع ما قدّمناه عنهم: فإن كان هذا
الخبرُ باطلاً مفتعلاً فقد نالَ طعنُكم على نقلِ القرآن بأنّ الرسولَ لم يبين تلك
السبعة الأحرف، وأنّه كان يجبُ ظهورُها، وأن لا تختلفَ الأمّة وأزلتُم عنَّا