بذلك كلفته، وإن كان هذا عندكم صحيحا وهو ذاك على أنّ أمرَ القرآن لم
يكن عندكم ظاهرا مستفيضا فقد بطلَ مدحكم فيه بهذه المطاعن، وهذا
اختلاط منكم أنتم إلى أن نُبيّن عن فسادِ كل شيء توهمتموه مُبطلاَ لهذه
الأخبار، فهذا مما تجبُ موافقتُهم عليه عند المطالبة بواجب كل اعتراضٍ
يوردونه على هذه الرواية.
ثم يقال لهم: لا يجب أن يكون هذا الذي توهمتُموه قادحا في الخبر.
وذلك أنّه لا يُمتنع أن يعلمَ الله سبحانه أنّ مصلحةَ عباده متعلقة بإنزال القرآن على سبعة أحرفٍ أو أكثر منها، كما لا يُمتنعُ أن يعلم أن مصلحَتَهم متعلقةٌ بإنزاله على حرفِ واحد، لأنه إذا علم سبحانه أنّ طباعَ الناس وسجاياهم
مختلفة في النطق والكلام، وأنّ منهم من يألف التكلم بالكلمة والحرف على
وجهِ وطريقةِ هي أخف عليه وألصقُ بقلبه وأسهلُ وأجرى على لسانه، ومنهم
من يصعُبُ عليه ويستثقلُ أن يميلَ ويهمزَ الحرف ويزيدَ الواو من قوله:
عليهمو وإليهمو، ويخف عليه إليهم وعليهم، وأنّه لو كُلف كل واحد منهما
ما هو في طبعِ غيره وأسهلُ عليه لشقّ ذلك عليه، وصارَ طريقا إلى نفورِه
واستثقاله وملالِه وصعوبة حفظِه، وأنه إذا لم يلزمه إلا قدرُ ما تيسّر عليه منه
كان ذلك لطفا له، ساغ لهذا أن يكونَ إنزاله الحرفين والسبعةِ أحرفٍ أصلحَ
من تضييق الأمر فيه، وحملِ الناسِ في النطقِ به على وجهٍ واحد صعب
متعشرٍ ثقيلِ على أكثرهم، فلعلّه لو كُلف هشامُ بن حكيمٍ والرجلُ الذي
خالف أبيًّا أن لا يقرأ إلا بما أقرأه النبي - ﷺ - عمر وأبياَ لثقل ذلك عليهم أو أعرَضا عنه وشكّا في نبوة الرسول، وصارا جرباً للرسول صلى الله عليه وعمر وأبي على أصل الدِّين ودعوة الحق، وإذا كان ذلك ممّا لا يمتنعُ في المعلوم بطل ما توهموه.