وبعده لم يُختلف في أنه لا يجوز التحريم موضعُ التحليل والمُحكم موضعُ المتشابِه والأمر في مكانِ النّهي، هذا مما لم يختلف قَطُّ فيه سلفُ الأمّة ولا خلفُها، ولا يجوز أن يقَع ذلك منها، وإنما اختلفت في وجوه الإعرابِ والإمالةِ والتقديمِ والتأخيرِ وتغييرِ الاسمِ بما ينوب عنه إلى أمثالِ ذلك من وجوه الأحرفِ السبعةِ مما سنشرحه فيما بعدُ إن شاء الله وكذلك قال ابن شهاب عند ذكره السبعةَ الأحرفَ التي رواها: "بلغني أن تلك السبعةَ الأحرفَ إنّما هي في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلفُ في حلالٍ ولا حرام ".
وإذا كان ذلك كذلك ثبتَ أنّ هذه السبعةَ المفسّرةَ عن الرسول ليست
هي السبعة الأحرف التي يسوغُ الاختلافُ فيها، وليس يجب إذا أنزل اللهُ
القرآنَ على سبعةِ أحرفٍ هي: أمر ونهيٌ وتحليل وتحريم وغيرُ ذلك أن لا
يُنزله على سبعةِ أحرفٍ أخَرَ وهي: أوجه وإعراب مختلِفٌ وإنّها مختلفةُ
اللفظِ متفقةُ المعنى، وغيرُ ذلك، وأن تكون الأخبارُ عن أنه أُنزلَ على سبعةِ
أحرفٍ لا يسوغُ بغيرها، والاختلافُ فيها منافياً للإخبارِ بأنّه منَزَّل على سبعةِ
أحرفٍ أخَرَ ليست من هذه الضروب، يسوغ الاختلافُ فيها.
وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلناه وثبت أن هذه السبعةَ الأحرف
المفسرة ليست هي القراءاتُ السبعةُ المختلفُ في تأويلها.
فإن قال قائل: الأمرُ والنهيُ والتحليلُ والتحريمُ لا يُسمى في اللغة
حرفاً، وإنَّما يُسمّى كل ضرْبٍ منه وجهاً وضربا من الكلام وكلمة، فكيف
استجازَ الرسولُ - ﷺ - أن يسميَ الأمرَ والنهيَ حرفين.
يقال له: هذا اعتراض على الرسولِ - ﷺ - وسؤالٌ لازمٌ له إن كان لازماً دوننا.
فإن كان السائل عن ذلك معترفاً بالنبوةِ فلا سؤالَ له،