وإن كان مبطلاً لها لم يجبْ أن يُكَلمَ في تفسير الأحرفِ والقراءات، ثم يقال له: قد صح بما سنبينه فيما بعد إن شاء الله أن الوجهَ الذي يقعُ عليه الفعلُ والكلامُ يسمّى في اللغة حرفاً ولذلك قال اللهُ سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١).
وإنما عنى بالحرف - وهو أعلمُ وأحْكَمُ - الوجهُ الذي تقعُ العبادةُ عليه، يقول إن منهم مَن يعبدُ على النعمةِ والرخاءِ والغِنا ويطمئنُ إلى ذلك، فإن تغيّرتْ حالُه إلى فقْرٍ وشدّة وغير ذلك، تركَ عبادةَ ربه وكفَرَ به، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الأمر وجها والنهيُ وجها آخر منه، وكذلك التحليلُ والتحريم، جاز أن يُسميَ رسولُ اللهِ كلَّ ضربٍ من هذه الضروبِ حرفا، على تأويلِ أنّه وجهٌ من وجوه الكلام، وإذا كان ذلك كذلك سقط السؤالُ وزالت الشبهةُ والاعتراض.
وأما الضرب الثاني من الثلاثةِ التي رويَ تفسيرُها فهو ما قَدمنا ذكرَه في
رواية أبى عن النبي - ﷺ - أنه قال: "يا أبيّ إني أقرِئْتُ القرآن، فقيل لي على حرفٍ أو حرفين، فقال الملَكُ الذي معي: على حرفين، فقلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك الذي معي: على ثلاثة، قلت: على ثلائة، هكذا حتى بلغت سبعةَ أحرف، ليس منها إلا شافٍ كاف، إن قلت: غفورٌ رحيمٌ سميعٌ عليم، أو عليمٌ حكيمٌ عزيزٌ حكيم هو كذلك ما لم تَختِم عذابا برحمةٍ أو تَخْتِم رحمةً بعذاب ".
هذا آخرُ الخبر.
وفي هذا الخبرِ أيضا من نص الرسولِ - ﷺ - على تفسيرِ هذه الأحرفِ ما يمنعُ من التأويل ِ والاختلافِ فيه، وتكليفِ غير ما قالَه الرسولُ أو تغييرِه، وهل السبعةُ الأحرفُ الأخَرُ أيضا ليست السبعة الأولةَ التي فسرها بالأمر والنهيِ على ما قدمناه، ولا السبعةَ التي هي وجهٌ من القراءات، واختلافِ