ويجوزُ أيضا أن يكون إنّما سمّى جميعَ هذه الوجوه واللُّغات المختلفة
والقراءاتِ المتغايرة حرفا على تأويل أن كلّ شيءٍ منها طريقة وسبيلٌ على
حذَتها غير الطريقة الأخرى، كما قال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)، أي على سبيلٍ وطريق، وإن تغيَّرت عليه تغيَّر عن عبادته
وشُكره على حسب ما شرحناه من قبل، وإذا كان ذلك كذلك سقط قولُه إنّ الإعرابَ في الإمالَةِ لا يُسمّى حرفا، لأنّ الحرفَ ها هنا على هذا التأويل، ليس المراد به الصورُ من الخط المُمَثَّل، وإنّما هي الطريقة والوجه والسبيل فقط.
وليس في جميع القراءات المنزَّلة التي يسوغُ الاختلاف فيها وصُوِّب
القارئون لسائِرها ما يتضادُّ معناهُ وينفي بعضُه بعضاً وإنَّما فيه مختلفُ اللفظ
والإعراب، وإن كان معناه واحداً ومختلفُ الصورة واللفظ والإعراب
والبناء، لتضمُّنه معاني مختلفةً غيرَ متضادةٍ ولا متنافيةٍ مثلُ قولهم: (بَاعِدْ)
، بكسر العين و (باعَد) بفتحها على الخبر، وأمثالُ ذلك مما يختلفُ
ولا يتضاد، وإنما المحالُ المنكَر أن يكون فيه قراءات متناقضة متضادةُ
المعاني، والله تعالى عن إنزالِ ذلك وتصويب جميع القراءة به.
وقال قوم من الناس: إنَّ تأويلَ السبعة الأحرف هو أنّ الاختلاف الواقعَ
في القرآن بجميعه، ويحيطُ به سبعةُ أوجهٍ منها وجا يكون بتغيير اللفظ
نفسه، والوجوه الستّةُ تكونُ بأن يثبتَ اللفظُ في جنسِها ويتغير من قبل واحدٍ
منها، فإنّ الستةَ الباقيةَ تكونُ في الجمعِ والتوحيدِ والتذكير والتأنيث
والتصريف والإعراب، واختلافُ الأدوات، واختلاف اللغات.
قالوا: والوجهُ الأول من السبعة الذي هو تغيُّر اللفظِ في نفسِه وإحالَتِه
إلى لفظ آخر: هو كقوله: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا).
قالوا: وننشزها بالزاي المعجمة، وما جرى مجرى ذلك.