القصيدة والمتكلمين على معانيها والمعروفين بهذا الشأن، ولم يَسُغ لعاقلٍ
عرف عادات الناس في امتناع ذهاب ذلك عليهم أن يقبل رواية راو يروي له
من جهة الآحاد عن لبيد أو حسان أو كعب بن زهير أو غيرهم من أهل
عصرهم أو من بعدهم أنّهم كانوا ينشدون قصيدة امرىء القيس أضعاف ما
هي وأنّها كانت خمس مائة بيت، وأطول من "ديوان ابن الرومي " أو أبي
نواس، وأكثرُها ومعظمها ذهب وسقط ودرس أثره وانطوى علمُه وانقطع
على الناس خبرُه، هذا جهلٌ لا يبلغ إلى اعتقاده وتجويزه من له أدنى معرفة
بالعادات في الأخبار وما يعلم بالفطرة كونه كذباً أو صدقا أو يمكن الشك
والوقف فيه.
وكذلك لو ادّعى مدَّعٍ مثل هذا فيما يُروى ويُقرأ من "موطأ مالك " و"الأم
للشافعي " و"مختصر المزني "، و"جامع محمد بن الحسن "، و"الصحيح
للبخاري " و"المقتضب " وغير ذلك من الكتب المشهورة المحفوظة
المتداولة، وقال: إنَّ كل كتاب من هذه الكتب قد كان أضعاف ما هو.
وأنه قد ذهب وسقطَ أكثرُها ومعظمها، وبقي الأقل اليسير منها، وروى لنا
في ذلك الأخبار والحكاياتُ لوجبَ أن يقطعَ على جهله ونقصه وعلى أنّ كلّ
ما يروونه في هذا الباب كذبٌ موضوع ومردودٌ مدفوع لا يسوغ لعاقلٍ
تصديقُ شيءٍ منه والسكون إليه.
وإذا كان ذلك كذلك، وعلمنا أنّ هذا القولَ المروي عن أُبيّ لم يكن
ظاهراً في الصحابة ولا متداولاً بينهم، ولم نعلم أيضاً أن أحداً قاله ورُوي
عنه، ولم يُعلم أيضاً صحة هذه الرواية نفسُها فضلاً عن شهرتها ووجوب
ذكرها عنه وعن غيرها، علم بذلك وتيقّن تكذُبها على أُبى واحتقارُ واضعها
عليه لعظم الإثم والبهتان.