ولو نشطنا لقبول مثل هذا عن أُبن لوجب أن نقبلَ خبرَ الشيعةِ عن النص
على إمام بعينه وروايتهم لأعلام الأئمة من أهل البيت وما يروونه من فقههم
وأحكامهم، ومن ذمّ عليّ عليه السلام وولده للسلف والتبري منهم ووصف
ظلمهم وغشمهم، فإنّ هذه الروايات عندي أظهرُ وأشهرُ من هذه الرواية عن أُبى، وقد بينا بغير حجّة الدلالةَ على تكذّب هذه الأخبار وما جرى مجراها فسقط ما قالوه.
على أن هذه الرواية لو أمكن أن تكون صحيحة ثابتة، وأمكن أن تكون
كذبا لوجب اطراحُها بما هو أشهر وأظهر منها، لأنّ الكافة والدّهماء رووا
جميعا عن أبيّ أنّه كان يقرّ بأنّ هذا القرآن هو جميع ما أنزل الله تعالى على
رسوله، وأمر بإثبات رسمه، وأنه كان على مذهب الجماعة ورأيهم في هذا
المصحف وأنّه أحد من أملاهُ على زيد والنفر القرشيين ونصبه عثمانُ لذلك.
وسنذكر ما ورد في هذا من الروايات فيما بعد إن شاء الله، وأنّ أُبيًّا كان يُقرِأ ويُقرأ بهذا المصحف كما يقرؤه غيره لا يدعي زيادة فيه ولا نقصانا منه.
وهذه الرواية هي الظاهرة المعروفة، وأقل أحوالها أن تكون كرواية من رُوي
عنه سقوط كثيرٍ من الأحزاب وأن تكون مكافئةً لها، وإذا تكافئتا سقطتا
جميعا، ووجبَ حملُ أمر أبي على ما عليه الكافّة من تسليم صحةِ هذا
المصحف فكيف وقد دلّنا بأدلة قاطعة على تكذب هذه الرواية عن أبيّ.
وممّا يدلّ على بطلان هذا الخبر عن أبيّ روايةُ جماعة الناس عن أبيّ أنّه
أدخل في مصحَفه دعاء القنوت، وأئبتَه في جملةِ القرآن، فإذا كان أبيّ قد
حفظَ دعاء القنوت وحرصَ عليه وأدخله في مصحفه لتوهمه أنّه مما أنزلَ اللهُ
من القرآن، فكيف يجوز أن يذهبَ عليه أكثرُ سورة الأحزاب، وأن تذهب
عليه وعلى أبي موسى وغيرهما من الصحابة سورة أنزلت مثلُ البقرة ذهبت