لبطليموس، الذي كان عند علمائهم وأصول هذا العلم منهم، فضاع
ودرس لكان جاهلاً غبيّا أو متجاهلاً، وكذلك لو توهم متوهمٌ أن نصف (قِفا
نبكِ)، (وألا هبي)، وثلثي شعر الأعشى والنابغة، وشطر كتاب
سيبويه، وثلثَي كتاب (الأم) للشافعي ومعظم موطَأ مالك قد ضاع وذهب
وأكلته الغنم والدواجن من عند كل عالم بهذا الباب، وأنه لم يكن بقي منه
إلا نسخة واحدةٌ عند رجلٍ واحد، ولم يكن حفظ تلك النسخة عند غيره بعد أن استفاض ذلك العلم وانتشر، وسُمع من قائله وحُفظ ودوِّن لكان من
الجهل والتخلف والذهاب عن معرفة عادات الناس في حفظ هذه الأبواب
من العلوم بمحل من لا يستحق الكلام.
إذا كان ذلك كذلك وكانت الصحابة أشدّ في دينها من كل أحد، وفي
حياطته وحراسته من جميع من ذكرنا وكانوا قد مكثوا نَيْفا وعشرين سنة ينزل
فيهم القرآن على النبيّ - ﷺ - ويسمعونه منه ويتلَّقونه عنه، ويعملون بمحكمه، ويسألون عن متشابهه وغامضه، ويتَعظون بمواعظه، ويصيرون إلى موجبه، ويعرفون أسبابه والأحوال التي نزل عليها، وهو آية نبيهم وأعظم حجةٍ له.