ولو سُئل كلّ واحد منهم عما يرويه من هذه الحروف، لقالَ فيها وفي
معتقِدِ إثباتها: والقطعُ على أنّها قرآنٌ أكثرُ وأغلظُ مما قالَ أبو عبيد، هذا
معلومٌ من حال جميعهم، وإذا كان ذلكَ كذلك لم يكن في قولِ المخالفِ لنا
أنّنا إنما ندل برواياتِ هذه الآثار عن رواتكم لإقامةِ الحجةِ بها عليكم، لأنّ
هؤلاءِ الأئمةَ عندهم في هذه الروايات ما ذكرناه مما يُبقي اعتقادُ القطع على
صحتها، ويوجبُ أنّ الصحيح غيرُها، لأنّهم قد قالوا صريحاَ: إنَّ الذي
أجمع عليه المسلمونَ هو الذي بين اللوحين، وهو الذي يُحكم على جاحدِ
شيءٍ بحكم المرتدين، وقالوا أيضاً: إنَّ ما أجمع عليه المسلمون هو الحق
والصواب، وأنّ ما عداه مطرح مرذول لأنّنا نعلمُ ضرورةً من مذاهبهم اعتقادُ صحة الإجماع، واطراحَ ما عداه، فكيفَ تكونُ رواياتُهم لأخبارٍ يعتقدون هذا فيها حجةً عليهم لولا الغباوةُ والجهل، ولو كانوا قاطعين على أن هذه الحروف والكلمات قرآن لم يُعبأ بهم عند المخالف، لأنّهم عند المخالف قوم حشو طِغام، وعلى النّصب ومخالفة الرسول والإمام المعصوم، ولا معتَبر بقول من هذا دينُه ومذهبُه، وإذا كان ذلك كذلك سقطَ ما يتعلقون بهِ من الاحتجاجِ بروايةِ مخالفِيهم من أهل الحديث سقوطاً بيّناً.
ثم يقال لهم: إذا لم تكن هذه الأخبارُ مما قد بلغت حدّ التواتر، ولا
مما يَلزَم قلوبَنا العلمُ بصحتها، وكان راويها عندكُم ممن يصحُ عليهمُ الغلطُ
والإغفالُ ووضعُ الكذب فما الذي يدلُ على صحة هذه الإخبارِ وصدق
رُواتها، فلا يجدون في ذلك متعلّقاً.
فإن قالوا: لو جازَ أن يكونوا قد غلَطوا وتكذبوا في هذه الأخبار لجاز
أن يكون جميعُ ما رُوي من الأخبار التي أجمع عليها المسلمونَ من إعلامِ
الرسولِ وغيرها تكذُّبا.