يقال لهم: لا يجبُ بما قلتم، لأن هذه الأمورُ وإن لم نقطع ونعلمْ أنها
قرآن من عندِ الله، وكان الدليلُ قد قام على أنها ليست من القرآن، فإنه قد
روي روايات الآحاد أنَّها قرآن منزل، وقال بعضهم: قد نُسخ ذلك.
وقال آخرون: بل هو ثابت فصارت هذه الرواياتُ شُبهةً لمن ظن أنها قرآن إذا خَفي عليه الدليل، على أنه لا يجوزُ إثباتها وإلحاقُها بالثابت المعلوم، وصار
ذلك على ضربٍ من التأويل الذي قد غُلط فيه، وإن لم يقصِد الجهلَ والغباءَ
فلم يجب إكفاره، ومن قال ذلك في شعر امرئ القيس، وبعض كلام الله
فلا تأويلَ ولا شبهة، فوجب إكفارهُ وافترقت الحال في ذلك.
فإن قالوا: فكذلك لا يحبُ إكفارُ من جحدَ أن تكون الكلماتُ الزائدةُ
من القرآن، وأنكرَ ذلك، وأن يكون بمثابة من جحدَ الحمدَ وثبتْ المتفق
بغيرٍ خلاف على أنها قرآن، لأن هذه الكلماتُ الزائدةَ لم تتفق الأمةُ على أنّها
قرآن منزل ولا تواترَ الخبرُ بكونها قرآنا، ولا قامت بذلكَ حجة، وإن رويت
الأخبارُ الكثيرةُ في أنها قرآن، وليس كذلكَ سبيلُ الحمد وثبت بحصول
الإجماع والتواتر على أنهما قرآن، وزوالُ الريبَ والشكوك في ذَلك.
يقال لهم: فقد صرتمُ لنا إلى ما أردناكم عليه، وأخبِرنا بصحته من
أقرب الطرُق، لأنكم لمّا طالبتمونا بجعلِ هذه الكلمات من القرآن لموضعِ
هذه الروايات، قلنا لكم: لا يجبُ ذلك لأنّه لها اتفاق من الأمة حصل على
أنها من القرآن ولا تواترَ الخبرُ بذلك ولا عُلم ضرورةً من دينِ الرسول.
وليس كذلك سبيلُ الحمد وآلِ عمران، وإنما هي روايات جاءت مجيء
الآحاد التي لا توجبُ علماً، ولا تقطعُ عذراً في إثباتها، وأنَّه لا يجبُ إثباتُ
ما هذه سبيله، فقلتم في جواب ذلك: إن ساغت لكُم هذه الدعوى في هذا
القرآن ساغ مثلُها في دعوى ظهور الرسل والإعلامِ من جميع ما رُوي من


الصفحة التالية
Icon