وأنه لا يُغني عنهم شيئا، وليس يجوزُ أن يَعنى بهذه الأخبار إلا كتابا صحيحا لا يعنيهم شيئا، لأن المُسقط والمحرف والمغيرُ ليس بكتاب الله، ولو تأملوا أيضاً ما أغنى عنهم شيئاً، وهذا بيّن يوضحُ أن الكتاب بادٍ ظاهر مستفيض عار من كل شبهة وتحريف، على هذا دل قولُه - ﷺ -: "لا تزالُ طائفة من أمتي على الحق "
في سائر الأخبار التي قدّمنا في صحة الإجماع، ولو علم أنّ القرآن سيضيعُ عقيب موته ويُحرفُ ويُغيّرُ ويبّدلُ حتى لا تقوم به الحجة لكانت الأمةُ كلّها قد عرفت وعطلت من قام لله بحقه في حفظ الكتاب وحراسته.
وقد دلّ على هذا أيضا قولُه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
وقوله تعالى، (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، وقد بينا ذلك فيما سلَف بما يُغني عن رده، وأنه لو ضُيعَ القرآنُ وحُرفَ وصارَ إلى حد لا يُعرفُ صحيحهُ من سقيمه لم يكُن تعالى حافظا لهُ ولا جامعا لهُ على خلقه.
وكذلك قوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢).
يوجبُ ذلك ويقتضيه.
فكذلك قولهُ تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣).
وقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا).
وهذان خبران من الله تعالى بأنه سيُظهرُ دين الرسول صلى الله عليه
على الدين كله وأن يمكنه، ولو علم تعالى أنّ أصلَه وأُسهُ ومعدِنه سيذهبُ
ويُغيرُ ويُبدلُ ويحرفُ وتسقطُ الحجةُ به عقِيبَ موته صلى الله علعه لم يُخبر
بمثل هذا، ولكان إخبارُه عن وهايته وعدم تمكُنه وشدة ضعفه ودُروس أثره


الصفحة التالية
Icon