فإن قالوا: أراد بقوله "لتسلُكُنَّ" في المستقبل بعد وفاتي، فإن قومَ
موسى لم يعبُدوا العجل، ولا سألوا من شيء أن يُريهمُ الله جهرة، وأن
يجعل لهم إلها يعبدونه بعد وفاته، وإنما سألوا ذلك وفعلوهُ في أيام حياته
وحرفوا الكتاب بعد وفاته، يقالُ له: وما الدليلُ على أنه أراد بعد وفاته.
وقولهُ "لتسلُكُنَّ" لا يقتضي ظاهرهُ سوى وقوع ذلك في المستقبل منهم وهو
متناوِل لأيام حياته المستقبلية، ولِما بعد وفاته من الأزمان فما الموجِبُ
لتخصيص هذا الكلام، ولا سبيل لهمُ إلى ذلك، بل الواجبُ بطلانُ قوله
"لتسلُكُنَّ" أن يكون خطاب مواجهةِ للصحابة دون المعدومين الذين يأتون
بعده، وقد عُلم أن الصحابة لم تعبد العجلَ ولا تحُدث إلها دون الله تعالى
ولا عبدت وثنا في أيام حياته ولا بعده صلى الله عليه فزال بما قالوه.
فإن قالوا: أراد إلاّ عبادة العجل، وسؤال جعلِ إله مع الله، وأن يَرَوهُ
جهرة، قيل لهم: وأراد إلاّ تحريف الكتاب وتغييره ولا فصل في ذلك.
فإن قالوا: قد علمنا أنّ ما ذكرتموه لم يقع من الأمَّة، قيل لهم: فقد بطل التعلّقُ بعموم الخبر، والاستدلالُ به على أنه لا بد أن تفعل هذه الأمَّة ُ مثل جميع ما فعلتهُ اليهودُ والنصارى، وقيلَ لهم أيضاً: وقد علمنا أنهم لم يحرفوا القرآن ولا غيّروهُ فأراد ما سوى ذلك.
فإن قالوا: ظاهرُ الخبر يوجبُ وقوع تحريف الكتاب لأنه من سنن الذين
من قبلهم، قيل لهم: وظاهرهُ يقتَضي وقوع عبادةِ تحصلُ منها للعجل وطلب
إله مع الله، وأن يروهُ جهرة، لأن ذلك من سنن الذين من قبلهم.
ولا جواب عن هذا وإنّما أراد النبي صلى الله عليه إن صحّ هذا الخبرُ عنه حدوث خلاف كثيرِ وتنازعٍ بينكم وفِتن غير هذا الباب، على ما بيناه من قبل.


الصفحة التالية
Icon