فهذه الرِّواياتُ كلها أظهرُ وأشهرُ من رواياتكم عنه بخلاف ذلكَ وأصح
سنداً وأثبت رجلاً، وإنّما نعني بصحّة السند وثبتِ الرجال، الطريقَ في غير
خبرٍ من هذه الأخبار إذا أفرد وخُصَّ، فأما أن نحتاج إلى ذلكَ في علمنا في
الجملة بأن علياً عليه السلام كان يقرأ هذا المصحف ويُلقَنه ويحكَمه ويعترفُ
بصحته، ويقولُ بقولِ الجماعة فيه فإنه باطل، ولا ما نعلمُ ضرورةً إظهارَ
علي عليه السلام القولَ بهذا، وأنه كان على هذه الطريقة، ولا نعلمُ ضرورةً
ولا باستدلال أن علياً أظهرَ في وقتٍ من الأوقات خلافَ ذلك على ما يدّعيه
قوم من الشيعة، ولا خلافَ بيننا وبينهم وبين مخالفينا من الشَيعة في هذا
الباب بأن عليا عليه السلامُ كان يُظهرُ القولَ بهذه الجملة، وأن دينَه في
المصحف لعثمانَ ما وصفناهُ ولا يمكنُ أحدٌ منهم دفعَ هذا أو جحده.
وقولُهم بعد هذا: أنه أظهر ذلكَ برهةً من الزمان ثمَّ أظهرَ خلافه، وأنه كان
ابتدأ بإظهار خلافه باطلٌ لا أصل له.
ويقال لهم: إن كان ابتدأ بإظهار خلاف ثم أظهر بعد ذلك خلافَه بما
وصفناه فَذلك رجوع منه عن قوله الأول، ويجبُ العملُ في مذهبه إلى ما
صار إليه، وإن كان أظهرَ خلافَ ما قلناه، وعلمنا إظهارَه له ضرورةً، وكان إنما أظهرَ ما قلناهُ أوَّلاً على سبيلِ التقية، ولم نأمنْ أن يكون أيضاً إنما أظهرَ الثّاني لأجلِ تقُيةٍ أخرى من قوم آخرين هم أشر من القومِ الذين خافهم على نفسه أولاً أو مِثلهمْ في الشر، بل لعل القولَ الصحيحَ عنده هو الذي وقفَ عليه وهو معتقدٌ له القولُ الأولُ الذي هو دينُ عثمانَ والجماعة، وأن يكونَ القولُ الثاني إنما ظهرَ منه على سبيل التقية ِ من أشرارِ قومٍ كانوا مختلطين بأصحابه، قليلي البصائرِ والرغبةِ في طاعةِ الله تعالى وكثيري الخلافِ عليهِ والشقِ لعصاهُ والتعقُبِ على أمره، وهم الذين حملُوه على التحكيم