قيل: لو كان الأمرُ على ما ذكرتُم، وكان أولُ خبَرِهم كآخرِه ووسطُه
كطرفَيه لوجَبتْ الضرورةُ إلى صدقهم، وإذا لم يكن ذلكَ كذلكَ بطلت أيضا
هذهِ الدّعوى، ثمَّ يقالُ لهم: فقد نقلَ سائرُ من خالفكُم من جميع فِرقِ الأمَّةِ
والدهماءِ من الشَيعةِ خاصةً، أنّ اللهَ تعالى ورسولَه ألقى القرآنَ على ما هوَ
عليهِ في مُصحفنا ورتّبناهُ كذلك، وفرقٌ منهُم أكثرُ منكُم عدداً وأصَح سَنداً
وأثبتُ رِجالاً وأوثقُ وأعدلُ من سائرِ من تروونه عنه، بل مخالفوكم الشيعةُ
فقط في هذا المذهب أكثرُ عدداً منكم وأوثَقُ وأقربُ إلى الحق مِنكم وأشد
أنَفَةً مِنَ احتمال عارِ الكذبِ والبُهتانِ من سائرِكم، فيجبُ إذا كانَ ذلك
كذلك تَصديقُ جمِيع مخالفِيكم في نقلِهم لتأليفِ القرآنِ ونظمِه على ما هو بهِ
عنِ الرسول، ولا جواب عن ذلك.
وإن هُم قالوا: لسنا نستدلُ على أن اللهَ جلَّ وعزَّ رتَبَ المكى قبلَ
المدني، والمنسوخَ قبلَ الناسخ، والأولَ منه قبلَ آخرهِ بالرواية ونقلِ الشَيعة
أو غيرهم إذا تعلَّقنا بهذه الطَريقة، بل إنما نستدل على ذلكَ بأن اللهَ سبحانهُ
لقا أنزَلَ المكى قبلَ المدني، والمنسوخَ قبلَ الناسخ، والأولَ منه قبلَ آخرِه.
وَجَبَ أن يرتَبه الله تعالى في التأليف والجمع على ما أنزله عليه، وأن يأمُرَهم
بتقديمِ مَا تقذَمَ إنزالهُ في الرّسم، وتأخيرِ ما أَخر إنزالَه عن المقدم.
قيل لهم: هذا أيضاً هوَ نفسُ دعواكُم، فمَا الحجّةُ عليها وما الدليلُ على
صحَّتِها، فإننا قد علِمنا أن اللهَ سبحانهُ أنزلَ المكى قبل المدنى والناسخَ قبل
المنسوخِ ولسنا نعلمُ معَ ذلكَ أنه يجبُ أن يرتَبه في الرّسمِ والتَلاوة على
ما أنزَلَه، فما وجهُ الدليلِ بما وصفتُم، خبرُونا أباضطرارٍ تعلمونَ وجوبَ