فيجب على اعتلالِكم أن لا يُنزل متشابها ومجملاَ ومحتملاَ، وقولُه: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ)، وقولُه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ)، وقولُه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣).
وقوله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)، وقولُه: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا).
وأمثالُ هذا قد تعلق به عندَكم المبطِلون، واحتج بكثيرِ منه الملحِدون، فإنْ مروا على ذلك جَحدوا التنزيل، ودفعوا قولَه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ).
وكُفينا بالتسرعِ إلى ركُوب هذا مؤونةِ كلامِهم، وإنْ أجازُوه معَ علمِ اللهِ سبحانهُ بأنه سَيفسُد ويضلُ عند ذلكَ المحلدينَ في آياتهِ تركُوا اعتلالَهم، َ فليسَ مع العلم بذلكَ بطريقِ لأهل الزيغ والجهلِ إلى التعلق بالمتشابهِ واعتقادِ غيرِ مُرادِه به، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ تَركوا أيضا اعتِلالَهم تَركا ظاهراً.
وإن قالوا: قد نصبَ اللهُ وأوضحَ الأدلة َ على مُراده بالمجملِ والمتشابِه -
المحتَمِل، فلِمَ يضر إنزالُه كذلك.
قيل لهم: وكذلكَ قد نصبَ الله وأوضح الأدلة، وبيَّن البراهينَ على
تقديمِ ما قدَّمَه في التنزيل، وتأخيرِ ما أخره، وحفِظَه على العبادِ ذلكَ بنقلِ من
نقلَه، وحفظِ مَن حفظَه وضبَطه وعمِل المكي والمدنِى والناسخَ والمنسوخ.
وذكرَ أوقاتَه وأسبابَه وأيامهُ وساعاتِه وأجهدَ نفسَه في ذلك، ولم يُخِل بشيءِ
منه، فلم يضر مَع ذلكَ تقديمُ المدنى على المكى، والناسخِ على المنسوخِ
في الرسمِ والتأليفِ والتلاوةِ، وهذا مما لا جوابَ لهم عنه.
ويقال لهم أيضاً: وما قدْرُ المآثمِ والعصيانِ في اعتقادِ إنزال اللهِ المدني
على المكى إذا صدق المرءُ بجميعِه وآمنَ به، حتى لا يجوزُ أن يفعلَ اللهُ
سبحانهُ ما يكونُ شبهةً في هذا البابِ، وهو قد أنزلَ المتشابهَ الذي يعلمُ أنه