النساء في عدتهنَ، فقال تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)، وحظرَ سبحانهُ التصريحَ بذلك.
وقالَ أهلُ العلِم: إن الكِنايةَ عن ذكرِ التزويجِ والخِطبة، أن يقولَ الرجلُ
للمرأةِ: إن النساء لِمن حاجَتي وإني فيكِ لراغب وعليكِ لحريص، ولعل اللهَ
أن يرزُقكِ بعلاً صَالحا، ووالله إنك لجميلة، ونحوِ هذا من الكلام.
وقد وردَ القرآن بالكِنايةِ والتعرِيض في مواضعَ على وجوهٍ مختلفةٍ منها
قوله: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١)، إلى آخر القضة.
فكنَّى عن ذكرِ المَلَكَين المَتَسورَين، وقد كان يجوزُ أن يَذكُرهُما ويسميهما.
ولم يعدِل عن ذلكَ لحاجة إلى مُداجاةٍ وخوفٍ من سطوةٍ ومبادأة.
وكذلكَ قولُه تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣).
فكنَّى عن ذكرِ النساء بذكرِ النعاج (١)، ولم يامُرِ اللهُ سُبحانه المَلكين بهذه الكناية لخوف سطوةٍ ودفع بليّة، ولو تتبعَ هذا لكثرُ وطال.
وإذا كانَ ذلكَ كذلك، وكانَ اللهُ تعالى قد أرادَ بقوله: (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا)، الإخبارَ عن كل من أطمَعَ في معصيتهِ الله، وأراد بِذكر الظالمِ كل
ظالمٍ وعادلٍ عمَّا وجبَ عليه، كنى عنهم بذكر فلان، ولو جُعل مكان هذه
الكِناية تفصِيلَ أسمائهم لطالَ ذلكَ وكثُر واستُهجن ومجَّتْه القلوبُ والأسماع.
ولخرج بذلك عن مذهبِ العرب، وطريقةِ سائرِ الئاسِ في الكلام، لأنه كان
يجبُ أنْ يقول: (وَيَومَ يَعَضُ اَلظالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) فرعونُ وقارونُ وهامان، وأبو
لهبٍ وأبو جهلِ بن هشام، وعتبةُ وشيبةُ والوليد، وهذا من الطُول والغَثاثةِ
من مستعْمِله بحيثُ لا خفاءَ على أحدٍ به، وهو معَ ذلكَ قاصر للكلامِ عن
تناوُله لكلِ من قُصد به من الظالمينَ والمطاعنِ في معصِيته الله، لأنه لو سمّى

(١) هذا الكلام فيه نظر يؤول إلى تصديق أساطير وأباطيل بني إسرائيل في حق نبي الله داوود عليه السلام والقصة مشهورة، وفيها من الافتراء ما فيها. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon