ألفاً أو مائةِ ألفٍ خرَجَ الكلامُ بصريحِ التشَبيهِ لمن سمّاه عن تناولِ من تقدم
من الظالمينَ قبل نزولِ القرآنِ ومن يتأخرُ منهم عن وقت نُزوله، ويوجدُ في
المستقبل، واللهُ سبحانَه باتَفاقِ الأمَّة إنما قصدَ بهذا الكلامِ تحذيرَ جميعِ
المكلفينَ مِن الظلم، ومِن اتَخاذِ خليلٍ يطاعُ في معصية اللهِ جلَّ وعزَّ، فكانت
الكِنايةُ عنْهم بذكرِ الظالمِ الذي هو للجنسِ إذا لم يكن للعهد، والتعريفُ عند
كثيرٍ من الناس أولى وأجدر، وبذكرِ فلانٍ عن كلِ من أطِيع في معصِية اللهِ
أولى من تعديدِ قومٍ منهم بأسمائهم والتصريحِ بذكرهم على وجهٍ يوجبُ
قصرَهُ عليهم فقط، فإذا كان ذلكَ كذلكَ بطلَ ما أصلتُموه.
ويمكنُ أيضاً أن يكونَ اللهُ سبحَانه إنما قصرَ بذلكَ لفلانٍ وبهذه الكناية
قادةَ أهلِ الكُفر والشَرك، وأكابرِ الظّلَمةِ وأئمةِ أهلِ الضلال والظُلم والعُدوان، فكنى عنهم بذكر فلان، لأن العَرب تقولُ: ما جاءكَ اليومَ إلاّ فلانُ بنُ فلان، يعنون بذلك الأكابرَ والأماثِل المعرُوفينَ والمشهُورِينَ من النّاس، والشاعرُ
يقول: أمسكَ فلانٌ عن قيل، يعني عن فلانٍ يُريدُ في عِظَم الأمر وتزايدِ
الشَدة في الحربِ أو في الخَطابة والكلامِ والمفاخَرة، وليسَ يريدُ بقوله
أمسكَ فلانٌ عن فلانٍ برجُلَينِ قط بأعيانهما.
ومن هذا البابِ أيضاً قولُه: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا).
و (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢).
وإنّما أرادَ به سائرَ الكَفَرَة والنّاسِ إلاّ من استثناهُ منهم بصِفته، وفي بعض ما ذكرناه دليلٌ على فسادِ ما ظنُّه في هذا الباب، وليس هذا القدحُ والاحتجاجُ من استخراج من قالَ به الرّافضةُ، بل هَو ما سَبق إلى الطّعن والقدح في القرآنِ به الملحِدون، وقالوا: إن الكنايةَ والتعريضَ إنّما يستعملُه الخائفُ المداجِي، وليسَ هذه صفةً منزلةً لله عند الموحدين، فظنَّت الرّافضةُ أن لهم في هذا شبهةً ومتعلَّقا.