ثم يقالُ لهم: لو سُلِّمَ لكم أنَّ الكناية لا يستعملُها إلا مَن ذكرتم حالَه
مِن الخائفين، وأنّه يجبُ في حكمِ اللُّغة أن يكونَ في موضع فلانٍ هذا رجلاً
مذكوراً باسمه وعينه، لم يدلَّ ذلك على أنّه يجبُ أن يكون هو عُمرُ بنُ
الخطاب، وأن يكونَ الظالمُ هو أبو بكر، والذِّكْرُ هو عليُّ بنُ أبي طالب.
ولم تكونوا بتأويلِكم هذا أولى ممّن تأوّله من الخوارجِ في ضد تأويلِكم.
وزعَم أنّ فلانا هذا هو مالك الأشتر، وأن الذِّكْرَ الذي ضلَّ عنه هو عبدُ الله
ابنُ وهبٍ الراسِبي، أو يزيدُ بنُ حصينٍ الفُزاريّ، وأن الظالِم هو محاربُ
هؤلاء القوم، وعمِلَ لذلك إسناداً وطُرُقاً من الحديث عن عِمران بن حطانَ
وقطْري بن الفُجاءةِ وأبي مالك الخارجي وغيرِهم من أئمّة الضّلال، وادعى
صخة نقلِه لِما نَقلَه وحصولِ العلمِ به، ولو خِفتم مجاهرةَ مناظِركم على ما
توردونه مِن هذه الجهالاتِ بمثلِ هذه المُقابلة لَقلّة دعاويكم وقصُرت
ألسنتكم، وقل تبسُّطكم في شتمِ الصَّحابة، وقذفِهم بكلِّ كفرٍ وضَلال.
ولكنكم لمّا عرفتم من حالِنا إعظامَ أميرِ المؤمنين، واعتقادِ موالاتِه، وقولَنا
بفضلِه، وتبرِينا من كلِ من نَفصَه وغضَّ باليسير من قدرِه وتضلِيلنا له، وأنّنا
لا نستحل ونستجيزُ مقابلَتكم بوصفِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بغير صفته، وإضافةِ
نقيصةٍ أو تقصيرٍ أو تبَسُّطكم وعِظم إقدامكم، وصرنا وإياكم كمسلمٍ يناظرُ
يهوديا أو نصرانياً يتناولُ محمداً صلّى اللهُ عليه، ويغُض من قَدْره ويقدحُ في
رِسالته، والمسلمُ مبتلاً - به مَحوجٌ إلى حل شبهَته وتعظيمِ موسى وعيسى
عليهما السلامُ، والإذعانِ له بفضلهما، وليس ذلك بتقوية لحجّة اليهودي
والنصراني، ولا بموهنٍ لحُجاج المسلمِ ودليلِه، ولكنّه من شُبَه جُهالِ اليهودِ
والنّصارى وعامتهم إذا سمعوا اليهودي يقولُ: للمسلم أنت قد أقررتَ بنبوة