فيقالُ لهم: قد جَمعتم في كلامِكم هذا بين ضُروبٍ من التّخليطِ:
أحدُها: ظنكُم لصحّةِ هذه الروايةِ عن عثمانَ وعائشةَ وقيامِ الحجّةِ بها
وَوُجوبِ القطعِ على أنّهُما قد قَالا ذلك، ووجوبِ طلبِ المخرجِ لهما منه.
وليست هذه صفة هذا الخبرِ عندَنا.
والوجهُ الآخرُ: توهمُكم أنّ ذلكَ إن صحَ عنهما فإنّه لا عُذرَ لهما ولا
مخرجَ من إقرارِ الخطأ، وليسَ الأمرُ في ذلكَ على ما توهمتُم.
والوجهُ الثالثُ: قولكمُ: إنَّ القومَ جهِلوا الصواب، وذهبوا عنهُ معَ
اعترافِكم بأنّهم قد عرَفوا اللَّحنَ وذكرُوه، وهذا جهلٌ منكم وتخليط.
والوجهُ الرابع: دعواكم أنّ القَومَ إنَّما قصدُوا بذلكَ إيقاعَ التَّخليطِ
والإلباسِ في كتابِ الله، معَ اعترافِكم بأنّهم قد نبهوا على اللَّحن، وذكروه
وذكروا مواضعه، وهذا أيضاً تخليطٌ ظاهر.
والوجهُ الخامس: توهُّمكُم أن هذه المواضِعَ ملحونةٌ لا محالةَ لا وجهَ
لجوَازها في اللُّغة، فليسَ الأمرُ في ذلكَ على ما تقدرون، ونحن نتكلمُ على
فصلٍ ممّا أوردتموه بما يوضّحُ الحق ويكشِفُ تخليطَكم وفسادَ تعلقِكم إن
شاءَ الله تعالى.
وأولُ ما نقولُ في ذلك: أنكم قد زعمتُم أنّ عثمانَ وعائشةَ قد اعترفا بأن
في كتابِ اللهِ لحنَا وخطأ، وأنّه من غلطِ الكاتب، وأنهما أقرَّا ذلكَ وعَصَيا
اللهَ بإقرارِه، وتركِ تغييرِه، وإنكاره، وعصى اللهَ أيضا جميعُ من سمعَ ذلكَ
مِن الصَّحابة ِ وعرَفهُ فلم ينكِرْه معَ ظهورِ هذا القولِ فيهم وانتشارِه بينَهم.
وليسَ يجوزُ أن يقطع على تخطئةِ الصَّحابة ِ وتفسيقهم ونسبتهِم إلى العِصيانِ
بقول يُحكى عن بعضهم ويُدَّعى انتشارُهُ في باقِيهم، يوجبُ ذمَّ قائلهِ وسامعهِ